خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1442 خالد بدير … الحمد لله ؛ الله أكبر الله أكبر الله أكبر ؛ الله أكبر الله أكبر الله أكبر ؛ الله أكبر الله أكبر الله أكبر ؛ الله أكبر كبيرًا؛ والحمد لله كثيرًا ؛ وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلًا ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛  أما بعد :

خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1442 خالد بدير

 

أولًا: العيد فرحة

 

إن هذا اليوم هو يوم الفرحة ؛ فكل العبادات التي فعلناها طوال شهر رمضان المبارك طريق إلى الفرحة؛ لأن الفرحة تكون بالطاعة والعبادة والقرآن؛ قال تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ( يونس: 58) . وقد صور رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذه الفرحة بقوله: ” لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا ؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ؛ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ” . ( متفق عليه ) .

 

فالصائم يفرح عند فطره كل يوم من رمضان ؛ ولذلك نجد الجميع كبارًا وصغارًا تغمرهم الفرحة عندما يُضرب مدفع الإفطار ؛ ثم تأتي الفرحة الكبرى في هذا اليوم يوم العيد ؛ يوم الفرحة والبهجة والسرور ؛ الفرحة أن أنعم الله عليك بإتمام نعمة الصيام والقيام ؛ الفرحة حينما تقابل أخيك المسلم مسرورًا يقدم كلٌ منكما التهنئة للآخر : تقبل الله منا ومنكم .

 

كما أن الفرحة باللعب والمرح في يوم العيد أمر مشروع في حدود المباح ؛ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ؛ فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا ؛ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ ” . ( أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ) . وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ : وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا ” . ( متفق عليه ).

 

ثم تأتي الفرحة الحقيقية في الآخرة عند لقاء الله تعالى؛ ” وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ” .

 

وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا يفرح العبد بالصوم خاصة دون بقية العبادات من صلاة وزكاة وحج وغيرها؟!

 

والجواب: أن حسنات جميع العبادات تكون كفارة ويقتص من حسناتها مظالم العباد إلا حسنات الصوم فهي خاصة لله ؛ ولا يقتص منها مظالم العباد ؛ ثم يدخلُ العبدُ الجنةَ بصومه ؛ لذلك يفرح العبد بصومه إذا لقى ربه !! ومعنى ذلك أن الإنسان يأتي يوم القيامة ومعه حسنات كالجبال، ولكنه عليه مظالم تستغرق كل حسناته، فجميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصيام، فالاستثناء يعود إلى التكفير بالأعمال .

 

ومن أحسن ما قيل في ذلك ما قاله سفيان بن عيينة رحمه الله قال : هذا من أجود الأحاديث وأحكمها : ” إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، و يؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم؛ فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم؛ ويدخله بالصوم الجنة “. (البيهقي في الشعب والسنن الكبرى) .

 

فالصيام لله عز و جل ولا سبيل لأحد إلى أخذ أجره من الصيام بل أجره مدخر لصاحبه عند الله عز وجل، فالصوم لا يسقط ثوابه بمقاصة ولا غيرها؛ بل يُدخر أجره لصاحبه حتى يدخل الجنة فيوفى أجره فيها.

 

إن ما فعلناه من طاعات وعبادات وقربات سُطِّرت وسُجِّلت في صحائف أعمالنا ؛ أَهَّلَتْنَا للفرح وحُبِّ لقاء الله تعالى ؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ؛ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ” قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ! قَالَ:” لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.” ( متفق عليه )، فالطاعة والعبادة دليل الحب، والمعاصي والذنوب دليل البغض والكره.

 

قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم يا أبا حازم : كيف القدوم على الله عز وجل؟ فقال : يا أمير المؤمنين أما المحسن فكالغائب يأتي أهله فرحًا مسرورًا، وأما المسيء فكالعبد الآبق يأتي مولاه خائفًا محزونًا.

 

 

وأعظم الفرح للصائم في الآخرة ؛ هو الدخول من باب الريان ؛ وهو مأخوذ من الري ؛ وسمي بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل ؛ فكما تحمل الصائم مرارة الجوع والحر والعطش من أجل الله ؛ فقد خصه الله تعالى في الآخرة بالدخول من أعظم أبواب الجنة ؛ ألا وهو ( باب الريان ) .

 

 

فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ؛ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؛ يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ ؛ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؛ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ” . ( متفق عليه ) . ” قال المهلب: إنما أفرد الصائمين بهذا الباب ليسارعوا إلى الرى من عطش الصيام فى الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا، وليكون دخولهم فى الجنة هينا غير متزاحم عليهم عند أبوابها، كما خص النبيّ أبا بكر الصديق بباب فى المسجد يقرب منه خروجه إلى الصلاة ولا يزاحمه أحد، وأغلق سائرها إكرامًا له وتفضيلًا ” . ( شرح ابن بطال).