خطبة عيد الأضحى 2021 سلطنة عمان … الخطبة الأولى:

اللهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر

اللهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر

اللهُ أكبر، الله أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلا الله، والله أكبرُ، ولله الحمد.

الحمدُ للهِ مَلِكِ السماواتِ والأرض، وجامعِ الخلائقِ ليَومِ العَرض، والذي أنزل كُتُباً وأرسَلَ رُسَلاً ليَستبينَ للناسِ مِنهاجُهم، وليعلمُوا حقائقَ خَلقِهم وإيجادِهم بحكمةِ خالقِهم ومُوجِدِهم، وليُحسِنُوا الاستعدادَ لمَرجِعِهم ومَعادِهم. وأشهد أن لَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، بيدِه الأمرُ كلُّه وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، حقيقةٌ ينتهي إليها الجميعُ بعد أوهامٍ وخيالاتٍ تُنَازِلُ عقولَ الناس مِن الغافلين والكافرين ومَن لم يستجِب لدعوةِ اللهِ العليمِ السَّميعِ على لسانِ رُسلِه وأنبيائه الذين خُتِمُوا بالمصطفَى الشفيع، ولم يكن بِصَادِقٍ مع الحقِّ في الاقبالِ ولا بمُطِيع.

وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، خَيْرُ مَن بَيَّنَ عن اللهِ طريقَ السَّيرِ إلى الله وأوصَلَ عنِ الله تعالى في عُلاه منهجَه وهُداه وخطابَه لمَن كلَّفهُ مِن براياه، عَمَّت رسالتُه الجِنَّ والإنسَ، ووصلَ مَن استجَابَ له إلى حضائرِ القدس، وأُنعِمُوا بالقُربِ والمحبةِ والشفاعةِ والرضوانِ والأنس.

اللهم صَلِّ وسَلِّم وبارِك وكَرِّم على عبدِك المُبَيِّنِ عنكَ بأمرِك أحسنَ البيان، محمدِ بن عبدِ الله مَن أنزلتَ عليهِ القرآن، وعلى آلهِ المطهَّرين عنِ الأدران، وعلى أصحابِه الغُرِّ الأعيان، الذين سَمِعَت قلوبُهم نداءَك وأسرارَ خطابِك على أكرمِ لسان، فكانت منهم الاستجابةُ البديعةُ الوسيعةُ التي يُضرَبُ بها المثلُ على مَمَرِّ الأزمان، وعلى مَن تبعَهم بالصِّدقِ والإيقانِ والمحبةِ والإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مَن أَعْلَيْتَ لهم القدرَ والمنزلةَ والشأن، وعلى آلِهم وصحبِهم والملائكةِ المقربين وجميعِ عبادك الصالحينَ ذوي العرفان، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا رحيمُ يا رحمن.

أما بعد عباد الله: فإني أوصيكم وإيايَ بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا عليها.

أيُّها المؤمنونَ المجتمعونَ في عيدِ الأضحى المباركِ، مُتوجِّهين إلى اللهِ الكريمِ المَالِك، مُستَجِيرين مُستعِيذين بهِ مِن جَميعِ الزَّيغِ والشَّرِّ والمهالِك، راجينَ عطاياهُ الواسعة، ومِنَنَهُ العظيمةَ المُتتابِعَة؛ إنكم في مَسْلَكٍ مُتَّصِلٍ بالإدراكِ الصحيحِ واليقينِ الصَّادِقِ في أَصْلِ الخَلْقِ وإيجادِه، والإنعامِ عليهِ وإمدادِه، والحكمةِ مِن خَلْقِهِ في هذا الوجود، وشأن رجوعِه والحُكمِ في اليومِ الموعود، والمتَّصلُ بهذه الحقيقةِ هم خِيَارُ الخليقة، الذين وعَوا وأدركوا سِرَّ الوجود وخَلقَ هذه الحياة تحت مُلْكِ مَلِكٍ تعالى في عُلاه، إليه مرجعُ الكُلِّ أقصَاهُ وأدنَاهُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الإلهِ القادرِ الحقِّ، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، فَازَ مَن آمنَ به وصدَّق، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، أعظمِ مَن بحقائق المعرفةِ لله والعبوديةِ له تَحَقَّق. اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك الأصدقِ الأسبقِ سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ الأطهار وأصحابِه الأخيارِ ومَن سار على منهجِهم واقتفَى الآثار، وعلى آبائهِ وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين معادنِ الأنوار، وآلهِم وصحبِهم والملائكةِ المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

أما بعد، عبادَ الله: فإني أوصيكُم ونفسيَ بتقوى الله.

فاتقوا اللهَ وخذوا حقائقَ العِيد، لتنالُوا المَزيد، وتَمشُوا على المَنهجِ الرَّشيد، وتتَّصلوا بخيارِ العبيد في حقائقِ توحيدٍ لإلهِه؛ مرتَفعينَ بذلكم عن أن تُؤسَرُوا لدعواتِ المَستفزِّ بصوتِه، إبليس وجندِه مِن الإنسِ والجن {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..} فكونوا منهم أيُّها الأحباب؛ مِن عبادِ اللهِ الذين ليس للشيطانِ عليهم سلطان، المُحرَّرِينَ عنِ الأدران، المطهَّرين عن الكَدرِ والرَّان.

أيها المؤمنون: التكبيرُ في العيدِ تثبيتٌ لحقائقِ التوحيد، وإخراجٌ لكلِّ وهمِ عظمةٍ لغيرِ عظيم، وكلِّ وهمِ كرامةٍ لغيرِ كريم.

ألا أيُّهَا المؤمنون: ما كانَ مِن أنواعِ الفرحِ في غيرِ العيدينِ المباركين مُتَّصِلَاً بالمنهجِ المقصود، وما أنزلَ المعبود، وما بيَّنَ زينُ الوجود، فهو مِن الخيرِ المُندرجِ فيما جاء به صاحبُ الشريعةِ مِن فَرَحٍ بفضلِ الله ورحمتِه {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

وامتلأت أيامُ المسلمين بأعيادٍ مُستَحدَثَاتٍ من قِبَلِ عقولِ مَن ضَلَّ، وعقولِ مَن زَلَّ ولم يعلم، وما قاموا بشيءٍ مِن لعبِهم في الحياةِ الدنيا وتَصارُعِهم على السلطة إلا وأقاموا له أعياداً! وقالوا العيد الفلاني والعيد الفلاني لا متَّصلاً بفضلِ الله ولا متِّصلاً برحمتِه! أولئك الذين رَقَّ عندهم صلتهم بحقائق الإيمان، وأصبحوا مُستَتْبَعِينَ في الحياةِ لجندِ الشيطان ولم يتحقَّقوا بحقائقِ: “لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسول الله”، والمؤدِّي إلى ذلك رغباتُ النُّفوسِ في الفانياتِ وتعظيمِ الحقيرات، والرَّغبةِ في السلطات، واتِّباعُ الأزياءِ الخَبيثاتِ التي تَنتَشِرُ، يُقتَدى فيها بالفاجرين والفاجرات، والفاسقين والفاسقات، واستماع أغانيهم الماجِنَات.. كلُّها حبالُ انفكاكٍ وانحلالٍ عن نورانيَّةِ الصِّلَةِ بالعَلِيِّ الأكبر، وحُسنِ الاستعدادِ لأكرمِ مستقَر، والرجوع إلى الرَّبِّ تبارك وتعالى في القبرِ والمحشَر.

أيها المؤمنون بالله: أقيمُوا حقائقَ الإيمان، وعظِّموا شعائرَ الرحمن، وانطلقوا بنورانيَّةٍ في الوعيِ والإدراكِ تتَّصلون فيها بخطابِ مَلِكِ الأملاك، وتقتدون بمَن رضيَه لكم قدوة، واختارَه لكم أسوة، وقال لكم في كتابه: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. يقولُ الله مَن آمنَ بي وبلقائي والرجوعِ إليَّ وذَكَرني بحقٍّ كثيراً فالأسوةُ له “محمد”، والقدوةُ له “محمد”؛ لا المُمثل ولا اللاعب ولا الرئيس ولا الحزبِ ولا الهيئةِ ولا المؤسسة.. “محمد” القدوة، “محمد” الأسوة. أخرِجُوا القدوةَ بغَيرِه مِن عقولِكم وعقولِ أبنائكم وبناتِكم، وأحيُوا حقائقَ الإيمانِ في أعيادِ التَّكبيرِ للعليِّ الكبير، وضَحُّوا ضحاياكم مُريدِينَ بها وجهَ الرَّبِّ.

وإنه يُغفَرُ لصاحبِها في أول قُطرَةٍ تنزلُ منها قبلَ أن تقعَ على الأرضِ يُغفَرُ له ما سلفَ مِن ذنبِه، وإنَّها لَتُوضَعُ في الميزانِ تُضَعَّفُ إلى سبعينَ ضعفاً فتوزنُ في ميزانِ الحسناتِ يومَ القيامة. فَلِيُسَمِّ اللهَ ولِيُكَبِّر، ولِيُكَبِّرِ التكبيرات، ولِيُسَمِّ اللهَ على ذلك، وليشهَد أضحيَّتَه، فإن كان يستطيعُ الذبحَ والنحرَ بيدِه فذلك أفضل، وإلا فيشهدُ عند نحرِها وذبحِها.

أيها المؤمنون بالله: يومُ المواصلة، ويومُ حسنِ المقابلة، ويومُ تهنئاتِ المؤمنين، ويومُ حسنِ النظرِ في إقامةِ الأمرِ على الإدراكِ القويِّ، والارتباطِ بالمنهج السَّوِي، ورفضِ كُلِّ زائغٍ وغويٍّ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}.

أيها المؤمنون: ونَابَ عنِ الأمَّةِ مَن وفَدَ إلى بيتِ الله ووقفَ بعرفات، وأفاضَ إلى مزدلفةَ وإلى مِنى وإلى الطوافِ بالبيتِ العَتيق.. قَبِلَهمُ الله، ولطفَ اللهُ بهم، وكشفَ الضُّرَّ عنهم وعنَّا وعنِ المسلمين. وبِنِيابَتِهم في الوفادةِ تكونُ مشاركةُ أهلِ السعادة، بحسبِ ما في القلوبِ مِن إنابةٍ وخشيَة، ومحبَّةٍ وقُربَة، ورغبة، وتعظيمٍ للرَّبِّ جَلَّ جلاله وتعالى في علاه؛ فأهلُ تلك القلوبِ محلُّ نظرِ اللهِ في شَرقِ الأرضِ وغَربِها.