بحث عن الكذب ..، فالكذب منافٍ للأخلاق الكريمة، وهو من صفات المنافقين الذين يدّعون الإيمان وقلوبهم في الحقيقة كاذبة، ويفعلون ضد ما يقولون، ولهذا فإنّه من العادات المشينة التي يجب القضاء عليها، وقد نهى الإسلام عن هذا الخلق السيء، واعتبره من الأخلاق التي تُشتمب انحدار صاحبها إلى رتبة سيئة بين أهله ومجتمعه، خاصة أنّه يُدمّر المجتمعات والأفراد.

بحث عن الكذب

الكذب يجعل الإنسان يحدث في مطبّ الزور الذي يُهلك أصحابه، فهو بذاك يُصبح قدوة سيئة للآخرين وينفر منه الناس أجمعين، فهو لم يكن يومًا ملمح الأنبياء -عليه الصلاة والسلام- ولا الصحابة -رضوان الله عليهم- فالرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- كان معلومًا في قومه بلقب الصادق الأمين كناية عن شدّة صدقه وأمانته ووفائه للعهود والمواثيق، فخيانة العهود والمواثيق وعدم أداء الأمانات هي أيضًا من التزييف والكذب الذي نهى عنه الله تعالى ورسوله الأمين.

ورد ذكر الكذب في كثيرٍ من آيات القرآن الكريم، حيث هدد الله سبحانه وتعالى الكاذبين بالبأس القوي يوم القيامة، خاصة الذين يكذبون على الله ورسوله بهدف الإيهام في الدين، ومن الآيات التي ذمّ الله سبحانه وتعالى فيها الكاذبين قوله إيتي: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ[١]، لذا فإن عدم قول الحق هو الأساس في سقوط الظلم على الناس ووقوع الكمية الوفيرة من الكوارث، وهو أساس دمار المجتمعات وانحطاطها.

الأفراد الكاذبون لا يدركون كيف أنّهم يزرعون التلفيات والأذى، ويُشتمبون تغيير وجه الحقيقة فيُبنى على كذبهم العديد من الموضوعات التي يظنها الناس صحيحة، منها ما تُبنى عليه الكتب والمدوّنات التي ينقلها الناس لغيرهم، وهذا بحدّ نفسه يُشوّه الزمان الماضي وما فيه من حقائق، ووقتما تقرأ الأجيال الزمان الماضي مشوهًا يأخذون اعتقادًا غير صحيحًا عما جرى في المنصرم، وقد يُغيرون قناعاتهم واتجاهاتهم، فكم من مظلومٍ مات بغيًا نتيجة لـ كذبة عابرة، وكم من شخصٍ خسر وظيفته بسبب قلة المصداقية، وغير هذا الكثير من الأمور التي تجعل الكذب من أسوأ الأمور في الحياة، وأكثر الصفات قبحًا وبشاعة.
أنواع الكذب

للكذب أشكال وفيرة، وكلّها أنواعٌ ضارة لا تقل خطورة عن بعضها القلائل، ومن أخطر أشكاله أن يكذب الفرد على الله ورسوله، ويكون ذلك بنسبة الأحاديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفسير الآيات القرآنية بأسلوب خاطئة وكاذبة، وقول الفتاوى الكاذبة التي تحلل وتحظر على حسب أهواء صاحبها، ومن أنواعه أيضًا الكذب الذي يكون بحلف اليمين الكاذب عامدًا متعمدًا وهو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في جهنم، ولذا النمط من الكذب يندرج تحته جميع الأيمان الكاذبة والعهود والمواثيق التي تكون مبنية على الكذب والزور والخداع.

من أنواع الكذب التي يستهين بها الناس عديدًا الكذب الذي يكون مغلفًا بالمزاح، إذ يكذب الناس على بعضهم بعضا لأجل أن يضحكوا فحسب، ولا يهمهم ما يغيرون من حقائق، وذلك بحدذ نفسه غير دقيق هائل، ومن أشكاله أيضًا الكذب الوهمي الذي يحكي فيه الناس قصصًا لم تحدث من الأساس، لكن يسردونها من أجل التسلية والترفيه، ومن أشكاله الكذب الادّعائي الذي يدّعي فيه الناس حدوث أشياء غير موجودة أساسا.

قد يكذب قليل من الناس بهدف الانتقام من الآخرين والتبلّي عليهم والتسبُّب بحدوث المشكلات لهم دون أدنى شعور بالظلم الذي أوقعوه بغيرهم نتيجة تصرفهم ذلك، أما الكذب الوقائي الذي يلجئ إليه القلائل حتى ينجون من العقاب، أما كذب التقليد فهذا الفئة ينتشر عديدًا بين الأطفال خاصة، إذ يلجؤون لتغيير الحقائق تقليدًا لأمهاتهم أو آبائهم أو أصدقائهم، أما الكذب المرضي أو المزمن فهو الذي يكون متأصلًا في النفوس ويحتاج إلى دواء نفسي حقيقي حتى يتخلص صاحبه منه.

وردت الكمية الوفيرة من الحكايات التي كذب فيها الناس، منها قصص تكذيب الأقوام للأنبياء -عليهم الطمأنينة- وكيف أنّ تكذيبهم وكذبهم كان سببا في في وفاتهم، ومن أشهر قصصه المنوه عنها في القرآن الكريم حكاية أخوة يوسف وقتما ادّعوا أمام أبيهم يعقوب -عليه أفضل السلام- أنّ الذئب قد أكل يوسف -عليه السلام-، وتبين ذلك في قوله إيتي:وَجاءوا عَلى قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ لكن في عاقبة الحكاية انكشفت الحقيقة واتضح كذب الأشقاء، وهذا يدلّ على أنّ الكذب حبله قصير مهما طالت الأيام، ولا بدّ أن تُأعلن الحقائق عاجلًا أم آجلًا، فالصدق منجاة من كلّ شر ومفتاحٌ لكلّ خير، أما تزييف الحقائق وعدم قول الصدق فعواقبه وخيمة ويؤدي إلى الكمية الوفيرة من العواقب السيئة في المجتمع.

البعض يكذبون حتى في أحلامهم، حيث يدعون أنهم رأوا رؤياًا ويسردون فيه القصص التي لم تحدث من الأساس ليصدقهم الآخرون، وهذا أيضًا يدخل في أنواع الكذب الضارة التي نهى عنها الدين الإسلامي، ولذا فالكذب غير مقبول أبدًا أيما كانت الأحوال والأوضاع، لدرجة أنّ الإسلام نهى عن الكذب على الأطفال والحيوانات، فالبعض يوهم الدابّة أنّه يُريد أن يُطعمها لكنه في الحقيقة يكذب، وهذا أيضًا شيءٌ مستقبح ويدلّ على قلة المروة، لذا فإنّ الإنسان العاقل يتحرى الصدق قولًا وفعلًا ومن أقل الأشياء إلى أعظمها، ويحرص بحيث يكون موضوعيًا في مختلفّ شيء حتى يكون الصدق خاصية وطيدة فيه وملازمًا له مستديمًا.

عواقب الكذب

من أقسىّ عواقب الكذب أنّه يكون سببا في غضب الله سبحانه وتعالى واستنكاره، وحصول الكاذب على السيئات التي قد تكون سببًا في موته ودخوله إلى النار، ومن عواقبه أنّه يُدافع وقوع المشكلات بين الأشخاص والمجتمعات، ويوقع بين الرجل وقرينته وبين الأخ وأخيه وبين الأصحاب، ويُدافع انقلاب الابن على والدته وأبيه وأخوته، كما يُسبّب ضياع البلاد والعباد وضياع الحقيقة وتبددها، وهو دافع في عرَض الفتنة بين الناس وإيقاع الظلم على الآخرين، والكاذب تسقط هيبته بين الناس ولا يصدقه أحد أبدًا حتى لو أفاد الصدق بينما في أعقاب، وذلك عقاب مناسب للكاذب حتى يرتدع ويتعلّم كيف يقول الحقيقة.

الكذب دليلٌ على ضعف صاحبه ووجود قلة التواجد فيه، فهو يُسّبب الخسارات المالية والمعنوية بالمجتمع، ويجعل من الزور إرسالية رائجة وعلكة في أفواه الآخرين، ويؤدي إلى دجل الناس وانحرافهم عن الصواب وعدم إدراكهم للحقيقة، فالتاجر الذي يكذب في تجارته حتى يبيع ما لديه من شحنة يعرض للناس بضائع تالفة أو لا تستحق الثمن المدفوع فيها، وهذا يُدافع انعدام الثقة بين التاجر والمشترين، وضياع الثقة بين الناس عمومًا، والطبيب الذي يكذب على المريض يسفر عن تلبيس السقيم بأنه عنده مرض خطير حتى يكسب من ورائه النقود، والمهندس الذي يكذب في عمله يُشتمب الخسارات النقدية لمؤسسته التي يعمل بها.

الكذب يتسبّب بتشتُّت الأسر وعدم الشعور بالأمان والاستقرار، وهو أداة غير أخلاقية لبلوغ المناصب والمكاسب، ويمكن أن يكون سببًا في موت أحدهم أو خسارة مستقبله، لذلك على الإنسان أن يتجنب الكذب أيما كانت الظروف والأحوال، وأن يكون صادقًا مع ذاته وأهله منزله وبينه وبين الله حتى يكسب احترامه لنفسه، بخلاف الإنسان الكاذب الذي يخسر احترامه لنفسه ويفتقد تقدير ومراعاة الآخرين له، ويُصبح بين المجتمع بحت واحد غير مؤتمن ولا يحبه أحد، أما الإنسان الصادق فيكون محبوبًا بين الناس، ويلجأ إليه الجميع ليقولون له أسرارهم ويستشيرونه في أيّ مسألة تتعلقّهم.

لتجنب عواقب الكذب العديدة يجدر بالإنسان استشعار رصد الله تعالى له في السرّ والعلن، وأن يتحرى الطرق التي تُعينه على الصدق، وتذكر سوء النهاية في حال الموت على الكذب، خاصة أنّ الملائكة موكلة بكتابة أي حرفٍ يقوله الإنسان من صدق أو كذب، ومن يعتاد عدم قول الحق لا تُقبل أقواله في المستقبل ويسقط من أبصار الناس جميعًا، فالنجاة الحقيقية تكون بالصدق حتى لو كان الصدق دافعًا في تلقي العقاب، لكنه أجود بكثير من الكذب الذي يُشتمب الأذى للناس ويُعلة غضب الله تعالى، خاصة أنّ القلة يكذبون في مختلفّ شيء، فالكذب فيما يتعلق لهم أسلوب حياة يمارسونه في مختلفّ يوم.

الصدق في الكوكب يقي من ميتة السوء، ويجعل الإنسان مكان حمدٍ وهيبة بين الناس، بخلاف الكاذب الذي لا يُصدقه الناس حتى لو أقسم أمامهم أنّه أيضا، والمؤمن يجعل صحيفته نقية من الكذب وخالية من قول الزور، وليس فيها أي تزوير أو قلب للحقيقة، فهو بذاك يكون مرتاح البال والضمير، ولا يخاف من أي شيء أو لومة لائم، أما الكذاب فلا يشعر بالراحة أبدًا، ويشعر دومًا أن الحقيقة التي ولى دبره من تصريحها تُلاحقه في صحوه ومنامه، فالكذب يهلك ويفنى وأما الصدق فهو متبقيٍ للأبد ولا يُمكن طمسه تمامًا مهما طالت الأيام ومهما تبدلت الأوضاع والأحوال.