تعبير عن الامل والتفاؤل .. يقيم الإنسان في هذه الحياة وتتفاوت أيامه بين عسر ويسر وبين شدة ورخاء، تارة يكون مرتاحًا هادئ البال مطمئنًا، وتارة تتجاوز فوق منه أيام وليالٍ عسيرة تجعله متوترًا هائمًا في غياهب الحزن والأسى، وما ذاك إلا لأن دافع وجود الإنسان في الحياة هي الابتلاء لا السعادة والرخاء

تعبير عن الامل والتفاؤل

غير أن الله تعالى لم يترك عباده هكذا دون حل يساعدهم في إجتياز هذه الابتلاءات والأيام المتعبة والظروف القاسية التي يكابدونها، فكان الحل باليقين والتحمل والإيمان، وما تؤدي إليه هذه الموضوعات من أمل وتفاؤل بما هو قادم، ويقين بأن كل ما يحصل فيه خير.

كثيرًا ما يكون الخير كامنًا في الشر بل الإنسان لا يعلم، ولذلك كل ما يمكن له فعله هو أن يتحلى بالصبر والإيمان واليقين بأن كل ما يحصل فيه خير ومسرة وإن لم تكن ظاهرة للعين

وهذا يجلب التفاؤل والأمل بالحياة، فإن الأمل والتفاؤل في حياة الإنسان المؤمن يكون بواسطة توقع الأجود دائمًا وإحسان الظن بالله هلم، لأن الله عند إعتقاد العبد به

ويكون التفاؤل من شكل وجه المؤمن إذا ما تصرف مع كل الموضوعات بغير سلبية وموضوعية ونظرة متفائلة آملة بأن الخير قادم لا محالة، وكثيرًا ما يُأفاد: تفاءلوا بالخير تجدوه، ولذا لأن النفس الباطنة قادرة على توجيه التفكير إما في طريق الأمل التفاؤل أو اليأس والتشاؤم.

أعظم ما في تفاؤل المؤمن أنه مستديمًا ما يحتسب كلفه لدى الله سبحانه وتعالى، فإذا أصابه قضى جيد وفيه خير فرح واستبشر وشكر ربه على ما أنعم أعلاه وفضّله على غيره

وإذا حلت به نازلة أو حدث في كارثة أو تعسرت عدد محدود من أموره لم ييأس ولم يقنط من رحمة الله، إنما يصبر ويعتبر طلب منه عند الله، وهو يؤمن يقينًا أن ما أصابه فيه خير له في دينه ودنياه وآخرته، وذلك السلوك هو ما يعزز طابَع الأمل والتفاؤل عند الإنسان المؤمن.

كيف نعزز نمط حياة إيجابي بالأمل والتفاؤل؟

إن الإنسان هو الذي يتحمل مسئولية وجوده في الدنيا وطريقة قضاء أيامها وليالها، فإما أن تكون ليالٍ يملؤها العناء والهم والأسى والتفكير المرهق الخائف من الغد، أو أن تكون حياة متواضعة راضية قانعة متفائلة بالمستقبل الأفضل، ولذا له أثر هائل على الإنسان وعلى المحيطين به أيضًا من النواحي النفسية والجسدية والفكريّة والعمليّة

فالأمل والتفاؤل هما اللذان يجعلان نمط الحياة غير سلبيًّا حالمًا، ويجعلان صاحبه في قوة وحماس وهمة لا تضجر، وعزيمة كالسيل لا تنضب، يحاول مستديمًا للأفضل وللتطور والتغير وموائمة كل ما هو حديث، إلا أن ذاك النمط ورسمه لا يجيء دون عمل وتفكير وتخطيط.

إنّ زراعة الأمل والتفاؤل في النفس الإنسانية يحدث عاتقه على الإنسان نفسه أولًا، فإذا ما جاهد نفسه وابتعد عن كل تفكير سلبي، وصار يرى النصف المليء من الكأس فإن ذاك لا محالة سوف يساعد في رسم حياة إيجابية متفائلة، ثم يأتي دور الأثر الإيجابي في الآخرين، فكما أن المتشائم يعطي من حوله طاقة سلبية وجوًّا كئيبًا حزينًا

فإن المتفائل أيضًا باستطاعته أن عرَض الطاقة الجيدة والمحفزة، وتعزيز روح التفاؤل والسعادة في نفوس المحيطين به، وهذا على يد أوجه عدة وأساليب متباينة يمكن تتبعها وفق البيئة والمناخ الاجتماعي.

إنّ التذكير بالنعم التي يعيشها الناس ويتمتعون بها يزيد من تركيزهم على ما ينعمون به من خير، ويقلص دائرة الشر والتعب والحزن، فضلا على ذلك المفردات المفرحة والإيجابية والتي تعين في تسليط الضوء على كل ما هو مفرح وفيه أمل وخير للمستقبل يكون سببا في رسم حياة اجتماعية موجبة ومتفائلة

ولا يمكن إنكار أثر الكلمة في تغيير الكمية الوفيرة من الأفكار والقناعات إذا ما اختيرت في موضعها الملائم وحينها الموائم وقيلت للواحد المناسب، وهنا تأتي الحكمة والوعي الاجتماعي والتواصلي مع المجتمع المحيط.

دعم الشاق والبائس أمر أساسي في الحياة الاجتماعية، إذ لا يمكن تركه وحيدًا حتى ينسى همه، بل من الجوهري بموضع الوقوف إلى جانبه، ومحاولة محادثته بما يفرحه وينسيه تعبه وهمه ويريه الجانب المضيء من الحياة، فيسلو عن كآبته، ويدرك حقيقة الحياة وأن فيها الأبيض وفيها الأسود، ولن تبدو تكلفة أحدهما دون وجود الآخر.

هل الأمل والتفاؤل يجلب المسرات؟

من وصايا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين ألا يغضبوا، ولم يوصِ الدين الإسلامي بأمر أو ينهى عن أحدث سوى لما فيه خير للبشر عامة وللمؤمنين خاصة، وبما أن للغضب ما له من توابع ضارة للإنسان وللمحيطين به من نواحيَ نفسية واجتماعية وأخلاقية وجسدية ولقد نهى عنه الدين الإسلامي، ولا بد من البحث عن كل ما يخفف الحنق ويلغيه من حياة الإنسان

وإحدى الوسائط هي الأمل والتفاؤل بما هو قادم، فتدريب النفس على التفكير بإيجابية يعاون عديدًا، لا سيما وقتما يحدث الإنسان في مأزق، فإذا كانت نفسه معتادة على التفكير الإبجابي فإنه سيبتعد عن الغضب، وسيأخذه التفكير مباشرة إلى النواحي الغير سلبية من كل ما يحصل برفقته، وهذا بالضرورة سيجلب المسرة والسعادة لقلبه.

اليقين بأن كل وقت يمر به الإنسان سيمضي، وأنه لا سعادة تظل ولا حزن يدوم يساعده عديدًا في تعزيز روح التفاؤل وبث الأمل في فكره وقلبه وتفكيره، وبذلك سوف يكون مليءًا بالمسرة والسعادة

بعيدًا عن الرهاب من المستقبل والذعر من كل تحويل يحصل من حوله، وبالمقابل فإنّ هذا الإنسان ذاته ما إن ينشر هذه الروح المتفائلة والكلمة المملوءة أملًا بما هو مقبل، وينجح في هذه المهمة حتى تتكاثر سعادته أضعافًا مضاعفة لأنه إستطاع من إدخال السرور إلى قلب من حوله وبث الروح الجيدة والمحفزة في المحيط الذي يقطن فيه.

عديدة هي الأمنيات والأحلام والمخططات المستقبلية، إلا أن فشلها وعدم تحققها لا يعني تدشينًا أن الدنيا قد اختتمت، وأن الإنسان سينكفئ على نفسه حزينًا كئيبًا حتى تقوم الساعة، إنما على الضد يلزم أن يكون ذاك دافعًا لحياة أفضل وطموح أضخم وأمل أعظم، فور أن تُبذر هذه الأفكار في النفس والذهن سينقلب المجرى وتتغير وجهة النظر

ويصبح للإنسان ثوابت في تفكيره تبعده عن الحزن وتقرّبه من السعادة والفرح والغبطة حتى إنه ليصل إلى عدم المراعاة بأي خطبة سلبي متشائم يسمعه، ويسلط الضوء دائمًا على كل ما هو غير سلبي، ولذا له أثر عظيم في حياة الواحد وسعادته وهدوئه واطمئنانه لما هو آت.

كيف نغرس الأمل والتفاؤل في النفس؟

مهما تكن حياة الإنسان صعبة ومملوءة بالهموم والمتاعب لا بد من بارقة أمل تجلو ضباب الأيام المظلمة، ولاشك أنه ثمة شعاع من شمس ساطعة سيدخل ثنايا القلب ويجلو ظلمات فتكت به، على الإنسان أن يتقصى عن هذه البارقة وهذا الشعاع

وما هو ببعيد أو مستحيل إنما هو في تفكيره وعقله فإذا ما نوى وعزم على التغيير فإن هذا سوف يكون جائزًا لا محالة، ولا يمكن لأي فعال خارجي أن يقوم بهذه المهمة ما لم تكن متواجدة في الذهن الباطن عند الإنسان ذاته، ومن هنا يجيء دور تحويل النفس حتى تتحول الأوضاع المحيطة.

إذا ما استيقظ الإنسان كل غداة وبدأ بكلمات موجبة متفائلة تنبئ عن نهار بهيج ومملوء بالسعادة فهذا لا بد سيجعل مساحة الأمل والتفاؤل تكبر في ذهن الإنسان وتفكيره، وبذلك سوف يكون متهيئًا لاستقبال أي طارئ بروح صافية فرحة ومتفائلة

وسيعزم أن يبعد عن ذاته أي تفكير سلبي، ويؤكد وجوب النظرة الغير سلبية لكل ما يحصل له، لديها فحسب تبدأ ثمار الأمل والتفاؤل تنضج في تربة الذهن والقلب وتتأهب للنضوج والإيناع.

ممّا له أثر هائل في زرع التفاؤل والأمل في كل نفس هو الأحوال الجوية المحيط، فليتخير الإنسان أصدقاءه ويسعى لتصير الأجواء المحيطة به غير سلبية باستطاعتها أن تزويده ببارقة الأمل كلما افتقدها وخَفَتَ نورها في قلبه

لا هذه الأجواء التي تزيد الكدر كدرًا والحزن حزنًا، فهذا هو الذي يميت بذور الأمل والتفاؤل، ويجعلها يباسًا يبابًا لاقوة لها ولا ثمر ولا أثر، فما أعظمهم من أصدقاء من يقفون يدًا بيد بجانب بعضهم في لحظات الحزن وينشرون البسمة في قلوب بعضهم، ولا يهنأ لهم عيش وقد أحسوا أن حزنًا أصاب صديقهم أو ألمّ به، حتى يجدوا له ما يقلل عنه ويعينه ويبقي أمله وتفاؤله في الحياة.

إن الأمل والتفاؤل من النعم الهائلة التي منَّ الله بها على عباده، ولا بد من استثمار تلك النعمة وتوظيفها بما فيه خير للإنسان والمجتمع، وتلك البذور حينما تعهدها صاحبها بالإعتناء والاهتمام متى ما ارتفعت وتعالت بثمارها وفروعها حتى تطاول عنان السماء.