خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف .. وتؤكد وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بموضوع كلام الجمعة المقبلة موضوعًا أو مؤكدًا على أقل حمد , وألا يزيد تأدية الخطاب عن عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

مع ثقتنا في سعة أفقهم العلمي والفكري، وفهمهم المستنير للدين، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة الفترة .

نسأل الله العلي القدير أن يجعل عودة دعاء يوم الجمعة فاتحة خير، وأن يعجل بترقية البلوى عن البلاد والعباد.

عن مصرنا العزيزة وكافة بلاد العالمين، وألا يكتب علينا ولا على واحد من من خلقه غلق بيوته مرة أخرى.

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف

الصفحة الأولي من خطبة يوم الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ أعلاهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

وبعدُ:

إنَّ الإسلامَ دينٌ يتركُو إلى الدخلِ والعملِ، وينذرُ مِن البطالةِ والخمولِ والكسلِ، والعملُ هو السبيلُ إلى إعمارِ الأرضِ، وتتيحِ الأوطانِ، وبناءِ الحضاراتِ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، وصورُ الكسبِ الشرعيِ كثيرةٌ مختلفةٌ، ومِن أجودِهَا التجارةُ، حيثُ سمَّى الحقُّ سبحانَهُ عوائدَهَا في القرآنِ “فضلُ اللهِ”، وقرنَ سبحانَهُ ذكرَ الضاربينَ في الأرضِ للتجارةِ بالمجاهدينَ في سبيلِ اللهِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: وآخَرُونَ يضربُونَ في الأرضِ يَبتغُونَ مِن فضلِ اللهِ وآخرونَ يُقاتِلُونَ في طريقِ اللهِ)

وقد سُئِلَ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ عليه وسلم) أيُّ الكسبِ أطيبُ؟ فقالَ: (عملُ الرجلِ بيدهِ، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ). ويكفِي أصحاب التجارةُ شرفًا أنَّ نبيَّنَا (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم) صاحب تجارةَ مع عمهِ والدي طالبٍ، ومع أمِّ المؤمنين خديجةَ (رضي اللهُ عنها)، فكان (صلَّى اللهُ عليه وسلم) خيرَ مثالٍ للتاجرِ الأمين

حيثُ نعت وصورَهُ السائبُ بنُ أبي السائبِ (رضي اللهُ عنه) بقولهِ: – كُنتَ شريكِي في الجاهليةِ، فكُنتَ خيرَ شريكٍ، لا تُدارينِي، ولا تُمارينِي- أي: لم يكنْ (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم) يُخفِي نقص وخللًا في سلعةٍ، ولا يجادُلُ بالباطلِ.

وللتاجرِ الأمينِ صفاتٌ حميدةٌ، وخصالٌ شريفةٌ ينبغِي أنْ يتحلَّى بهَا، منهَا:

الصدقُ في البيعِ والشراءِ، والصدقُ يورثُ البركةَ في التجارةِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ فوق منه وسلم): (البيعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقَا، فإنْ صدقَا وأوضحَا بورِكَ لهُمَا في بيعِهِمَا، وإنْ كتمَا وكذبَا مُحقتْ بركةُ بيعهِمَا)، أمَّا البائعُ الكذوبُ الذي يبيعُ آخرتَهُ بدنياهُ، فهو مِن الخاسرينَ في العالم ويوم القيامةِ، فلا بَركةَ في ثروتهِ، ولا نَفعَ في كسبهِ، ولا يُقبلُ منهُ عملُهُ، إذُ يقولُ (صلَّى اللهُ عليه وسلم): (الأيمنُ الكاذبةُ منفقةٌ للسلعةِ، مُمحقةٌ للبركةِ)، ويقولُ (صلَّى اللهُ عليه وسلم): (مَن ربحَ مالًا حرامًا فأعتقَ منهُ، وبلغ َرحمَهُ؛ كان هذا إصرًا فوقه).

الصفحة الثانية من خطبة يوم الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف

ومِن صفاتِ صاحب المتجرِ الأمينِ: تمامُ الأمانةِ والبيانِ في البيعِ والشراءِ، فالتاجرُ الأمينُ لا يغشُّ ولا يخدعُ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ عليه وسلم): (المسلمُ أخُو المسلمِ، ولا يحلُّ لمسلمٍ باعَ مِن أخيهِ بيعًا فيهِ نقص وخللٌ إلّا بيَّنَهُ لهُ)، وقد مرَّ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم) على صُبرةِ تغذيةٍ، فأدخلَ يدَهُ فيها، فنالتْ أصابعُهُ بللًا، فقالَ: ما ذاك يا ذوَ الطعامِ؟! قال: أصابَتْهُ السماءُ يا رسولَ اللهِ، صرح: (أَفَلَا جعلتَهُ فوقَ الأكلِ بغية يشاهدهُ الناسُ؟ مَن غشَّ فليسَ منِّي).

ومنها: السماحةُ في البيعِ والشراءِ، والتحلِّي بمكارمِ الأخلاقِ، وحسنُ المعاملةِ، إذُ يقولُ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ فوق منه وسلم): (رحمَ اللهُ رجلًا سمحًا إذا باعَ، وإذا اشترَى، وإذا اقتضَى)، ويقولُ (صلَّى اللهُ فوق منه وسلم): (ألَا أُخبرُكُم بمَن يَحْرُمُ علَى النّارِ- أو بمَن تَحْرُمُ عليهِ النارُ؟ على كلِّ قريبٍ هينٍ سلسٍ).

***
الصفحة الثالثة من خطبة يوم الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف

العرفانُ للهِ ربِّ العالمين، والتضرعُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا محمدٍ (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم)، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

ومِن صفاتِ صاحب التجارةِ الأمينِ: الوطنيةُ الصادقةُ، وهي ليستْ أقوالًا أو بحتَ شعاراتٍ تُرفعُ، إنَّما هي عطاءٌ وتضحياتٌ، فالتاجرُ الوطنيُّ الحكيمُ ينطلقُ في معاملاتِهِ مِن التزامٍ دينيٍّ وشعورٍ بشريٍّ، فلا يبيحُ لنفسهِ أنْ تكثرَ ثروتُهُ في أوقاتِ الأزماتِ على حسابِ الفقراءِ والمحتاجين؛ لهذا فهو يبتعدُ عن كلِّ صورِ الجشعِ والاحتيالِّ والاحتكارِ والاستغلالِ، فإذا كانتْ تلك الأدواءُ غير مقبولةً مذمومةً خبيثةً في جميعِّ وقتٍ فإنَّهَا في وقتِ الطوارئِ أقوىٌّ جرمًا وإثمًا، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، ويقولُ نبيُّنَا (صلَّى اللهُ عليه وسلم): (المحتكرُ ملعونٌ)، ويقولُ (صلَّى اللهُ أعلاه وسلم): (مَن دخلَ في شيءٍ مِن أسعارِ المسلمين ليغليَهُ عليهم فإنَّ حقًا على اللهِ تباركَ وتعالَى أنْ يُقعدَهُ بِعِظَمٍ مِن النارِ يومَ القيامةِ).

إلى أنَّنَا نؤكدُ أنَّ البائعَ الصدوقَ الأمينَ إذا خفَّضَ هامشَ فازِهِ إلى أدنَى درجةٍ ممكنةٍ في وقتِ الظروف الحرجةِ، فإنَّ ما يُخفّضهُ صدقةً لهُ بنيتِهِ، إذُ يقولُ (صلَّى اللهُ فوقه وسلم): (صاحب التجارةُ الصدوقُ الأمينُ مع النّبيينَ والصديقينَ والشهداءِ)، هذا لأنَّ مَن يقدمُ يوم القيامةَ على العاجلةِ، ولا يحتكرُ ولا يغشُّ، ويُراعِي ظروفَ الناسِ، حقٌّ لهُ أنْ يكونَ مع النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحَسُنَ أولئكَ رفيقا، مثلما نؤكدُ أنَّ صاحب المتجرَ الأمينَ لا ترفعُهُ علاقاتُهُ ولا صدقتُهُ بمقدارِ ما يرفعُهُ صدقُهُ وأمانتهُ، وحرصهُ على المجتمعِ ومراعاتهِ لظروفِ الناسِ.