خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير وزارة الأوقاف .. الشكرُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ أعلاهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ نفوسِنَا وسيئاتِ أفعالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا عقبُ

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير وزارة الأوقاف

العنصر الاول من كلام يوم الجمعة المقبلة
أولًا: الحثُّ على التنافسِ في الخيراتِ

لقد تحميسَّ الإسلامُ على التنافسِ في الخيراتِ والتسابقِ إلى فعلِ الطاعاتِ والقرباتِ، وقد تضافرتْ مقالاتٌ وفيرةٌ مِن القرآنِ والسنةِ في هذ الموضوعِ، صرحَ تعالي: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: 133)

وتحدثَ سبحانَهُ: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الحديد: 21)؛ ومدحَ اللهُ تعالى أنبيائَهُ بتلكِ السمةِ الحميدةِ فقالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (الأنبياء:90) وقال حتى الآنَ مَا إطراءَ الموصوفينَ بالأعمالِ الصالحةِ مِن عبادهِ الصالحين: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (المؤمنون: 61)، وكلفَنَا بهذاَ فقالَ: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (البقرة 148)، وقال: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (المطففين: 26). وقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(الواقعة: عشرة – 12)؛ أفادَ ابنُ القيِّمِ -رحمهُ اللهُ-: “السَّابِقُونَ في الدُّنْيا إلى الخَيْراتِ هُمْ السَّابِقُونَ يومَ القَيامةِ إلى الجنَّاتِ”.

فقد كانَ – صلَّى اللهُ فوق منه وسلم – مثلًا أعلَى في المسارعةِ إلى الخيرِ، فعَنْ عُقْبةَ بنِ الحارثِ رَضْي اللهُ عَنْه، قَالَ: صَلَّيتُ خلفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ فوقه وسلَّمَ بالبلدةِ العَصْرَ، فسَلَّمَ ثمَّ وقف على قدميهَ مُسْرِعًا فتخَطَّى رِقابَ النَّاسِ إلى عدد محدود منِ حُجَرِ نِسَائهِ، ففَزِعَ الناسُ من سُرْعتِهِ، إفتخارَجَ عليهم، فرَأى أنَّهم قد عَجِبُوا مِن سُرعتِهِ، أفاد: «ذَكرتُ شيئًا من تِبْرٍ لدينا، فكَرِهتُ أن يحبِسَني، فأمَرْتُ بقسْمَتِهِ».[البخاري].

فقد خشَي النبيُّ – صلَّى اللهُ أعلاه وسلم- أنْ تحبسَهُ هذه الأمانةُ يومَ القيامةِ، فبادرَ إلى تجزئةِهَا، والتصدقِ بهَا.

ولقد ربىَّ النبيَّ صلَّى اللهُ فوقه وسلم صحابَتَهُ الكرامَ على التنافسِ في الخيراتِ والتسابقِ إليها، فحثَّهُم على التنافسِ في العباداتِ كالأذانِ والصفِّ الاول والتبكيرِ إلى الدعواتِ، والحرصِ على جماعتي العشاءِ والفجرِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :” لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا”.(البخاري).

وذلك بلالٌ يسبقُ إلى الجنةِ بوضوئهِ وصلاتهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ : عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ” يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ قَالَ : مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.”( البخاري)، أفاد ابنُ القيمِ: وأمَّا تقدمُ بلالٍ بين يَدَي رسولِ اللهِ في الجنةِ: فلأنَّ بلالًا كان يتركُو بالأذانِ فيتقدمُ أذانُه بين يدَي رسولِ اللهِ، فتقدمَ دخولُهُ كالحاجبِ والخادمِ.
العنصر الثاني من خطاب الجمعة القادمة

ثانيًا: أبوابُ الخيرِ صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ

لقد حفلتْ السنةُ النبويةُ المطهرةُ بصورٍ ونماذجَ عديدةٍ في التنافسِ إلى أبوابِ الخيرِ في حياةِ الصحابةِ الكرامِ، فهذا أبو بكرٍ – رضي الله سبحانه وتعالىُ عنه – الرجلُ الذي ما وَجَدَ طريقًا علِمَ أنَّ فيها خيرًا وأجرًا سوىَّ سلَكَها ومشَى فيها، فحينمَا وجَّهَ النبيُّ – صلَّى اللهُ فوقه وسلَّم – إلى أصحابِهِ قليل منَ الأسئلةِ عن ممارساتِ الخيرِ اليوميَّةِ، كان أبو بكرٍ الصديقُ هو المجيبُ، أفاد – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -: ” مَن صارَ مِنكُم اليومَ صائمًا؟ “، أفاد أبو بَكرٍ: أنا، صرح: ” فمَن تَبِعَ مِنكم اليومَ مراسم دفنً؟”، قال أبو بكرٍ: أنا، أفاد: ” فمَن أَطْعَمَ منكم اليومَ مِسكينًا؟ “، أفاد أبو بكرٍ: أنا، أفاد: ” فمَن رجعَ مِنكُم اليومَ موبوءًا؟”، قال أبو بكرٍ: أَنا، فقالَ رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ فوقه وسلَّم -: ” ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ سوىَّ دخَل الجَنَّةَ .”( أخرجه مسلم).

مثلما كان أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه له السبقُ، حينما دعوةَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ أعلاه وسلم مِن صحابتهِ أنْ يتصدقُوا، يقولُ عمرُ: ” فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. ” (الترمذي وصححه).

ومن هذه الصور ما رواه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ، عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقْرَأُ، فَقَامَ فَتَسَمَّعَ قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ رَكَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَجَدَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ»، قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ مِنَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ»، قَالَ: فَأَدْلَجْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِأُبَشِّرَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا ضَرَبْتُ الْبَابَ – أَوْ قَالَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتِي – قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ لِأُبَشِّرَكَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَدْ سَبَقَكَ أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: إِنْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ سَبَّاقٌ بِالْخَيْرَاتِ، مَا اسْتَبَقْنَا خَيْرًا قَطُّ إِلَّا سَبَقَنَا إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ » ( أحمد وصححه أحمد شاكر).

وروى أبو نُعيمٍ في «حليةِ الأولياء» أنَّ عمرَ بنَ البيانِ رضي اللهُ إيتي عنه خرجَ في سوادِ الليلِ فرآهُ طلحةُ، فذهبَ عمرُ فدخلَ منزلًا ثم دخلَ أحدثَ، فلمَّا باتَ طلحةُ ذهبَ إلى ذاك المنزلِ فإذا بعجوزٍ عمياءَ مقعدةٍ، فقال لها: ما بالُ ذلك الرجلِ يأتيكِ؟ صرحتْ: إنَّهُ يتعهدُنِي منذُ كذا وإضافة إلى يأتينِي بمَا يُصلحُنِي، ويخرجُ عنِّي الأذىَ، فقالَ طلحةُ: ثكلتكَ أمُّكَ يا طلحةُ أعثراتِ عمرَ تعقبُ؟!

ولذا أبو الدحداحِ الأنصاريُّ، لما نزلَ قولُ اللهِ إيتي:مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة: 245] ؛ قالَ للرسولِ – صلَّى اللهُ فوق منه وسلم -: وإنّ اللهَ ليريدُ منَّا القرض؟ أفاد أعلاه الصلاةُ والسلامُ: نعمْ يا أبا الدحداح، صرح: أرنِي يدُكَ يا رسولَ اللهِ، فناولَهُ النبيُّ – صلَّى اللهُ فوقه وسلم – يدَهُ، فقال أبو الدحداح: إنِّي قد أقرضتُ ربِّي عزَّ وجلَّ حائِطِي (أي بستاني، وقد كان فيه ستمائة نخلة) وأمُّ الدحداحِ فيه وعيالُهَا، فناداهَا: يا أمَّ الدحداحِ، قالتْ: لبيكَ، صرح: أخرجِي مِن الحائطِ: يشير إلى: أخرجِي مِن البستانِ فقد أقرضتُهُ ربِّي عزَّ وجلَّ. وفي حكايةٍ: أنَّ امرأتَهُ لما سمعتهُ يناديهَا عمدتْ إلى صبيانِهَا تطلعُ التمرَ مِن أفواهِهِم، وتنفضُ ما في أكمامِهِم. تودُ بتصرفِهَا هذا الأجرَ كاملاً غيرَ منقوصٍ مِن اللهِ. لذا كانت النتيجةُ لهذه المسارعةِ أنْ صرحَ النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم -: “كم مِن عذقٍ رداحٍ (أي: منتج بوفرةٍ ومعبأٍ) في الجنةِ لأبِي الدحداحِ” [أحمد والطبراني].

وذلك أبو طلحةَ الأنصاريُّ أتى إلى النبيِّ – صلَّى اللهُ فوق منه وسلم -، فقالَ يا رسولَ اللهِ: يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى في كتابهِ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92]، وإنَّ أحبَّ نقودِي إليَّ بَيْرُحاء، وقد كانت حديقةً يدخلُهَا النبيُّ – صلَّى اللهُ فوقه وسلم -، ويستظلُّ بها، ويشربُ مِن مائِهَا، فهي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وإلى رسولهِ – صلَّى اللهُ أعلاه وسلم -، أرجُو برَّهَا وذخرَهَا عندَ اللهِ، فضعُهِا يا رسولُ اللهِ حيثُ أراكَ اللهُ، فقال – صلَّى اللهُ أعلاه وسلم -: رشٍ يا والدًا طلحة، ذاك مالٌ فائزٌ، ذاك ثروةٌ رابحٌ، قبلناهُ منك، ورددناهُ عليكَ، فاجعلْهُ في الأقربين، فتصدقَ بهِ أبو طلحةَ على ذوي رحمِهِ.”[البخاري ومسلم].