حكم حج المرأة بدون محرم ومتى يسقط المحرم عن المرأة … امرأة وجب عليها الحج، وهي صحيحة الجسد، وتحوز الملكية الكافي لنفقات حجها غير أن لم يتيسر لها زوج أو محرم تحج معه. فهل يجوز لها أن تحج في رفقة عدد محدود من المسلمين أو المسلمات، مع ملاحظة أن الأساليب هذه اللحظة أصبحت آمنة، ولم يعد في السفر خطور كما كان من قبل؟ أم يقتضي فوق منها إرجاء فريضة الحج إلى أن يتهيأ بها المحرم؟
حكم حج المرأة بدون محرم ومتى يسقط المحرم عن المرأة
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..
المنبع المقرر في شريعة الإسلام ألا تسافر المرأة وحدها، بل ينبغي أن تكون في صحبة قرينها، أو ذى محرم لها.
ومستند هذا الحكم ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم، ولا يدخل عليها رجل سوى وبصحبتها محرم”.
وعن أبي هريرة مرفوعا: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر رحلة يوم وليلة ليس بصحبتها محرم”. وعن والدي مبتهج عنه عليه الصلاة والسلام: “لا تسافر امرأة نزهة 48 ساعةٍ ليس بصحبتها زوجها أو ذى محرم”. وعن ابن عمر: “لا تسافر ثلاث ليال سوى ومعها صاحب محرم”.
والظاهر أن اختلاف القصص لعدم تشابه السائلين وسؤالهم، فخرجت جوابا لهم، إلا أن أبا حنيفة رجح ابن عمر الأخير، ورأى أن لا يحتسب المحرم إلا في مسافة القصر. وهو رواية عن أحمد. وهذه الأحاديث تشتمل على كل سفر، سواء كان واجبا كالسفر لزيارة أو تجارة أو دعوة دراية أو باتجاه ذاك.
وليس أساس ذاك الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس، غير أنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وتأمين لها من طمع الذين في قلوبهم مرض، ومن إعتداء المعتدين من ذئاب الأعراض، وقطاع الطرقات، وخاصة في ظروف بيئية لا يخلو المهاجر فيها من اجتياز صحار مهلكة، في زمن لم يسد فيه السلام، ولم ينتشر العمران.
غير أن ما الحكم إن لم تجد المرأة محرما يصحبها في سفر مشروع: واجب أو منشود أو حلال؟ وقد كان معها عدد محدود من الرجال المأمونين، أو السيدات الثقات، أو كان الطريق آمنا.
لقد بحث الفقهاء هذا الأمر عند تعرضهم لضرورة شعيرة الحج على الحريم. مع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة بغير محرم.
(أ) فمن بينهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، وإذا كان لفريضة شعيرة الحج، ولم يستثن من ذلك الحكم صورة من الصور.
(ب) ومن بينهم من استثنى المرأة الكبير السن التي لا تشتهي، مثلما نقل عن القاضي أبي الوليد الياجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، مثلما أفاد ابن دقيق العيد، يعني مع اهتمام الموضوع الأغلب.
(ج) ومن ضمنهم من استثنى من هذا ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات. بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
(د) ومن ضمنهم من اكتفى بأمن الطريق. وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ذكر ابن مفلح في (الأفرع) عنه أفاد: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وصرح: إن ذلك متوجه في كل سفر طاعة… ونقله الكرابيسي عن الشافعي في دافع التطوع. وصرح قليل من أصحابه فيه وفي كل سفر غير مقتضي كزيارة وتجارة.
ونقل الأثرم عن الإمام أحمد: لا يشترط المحرم في شعيرة الحج اللازم. وشرح ذلك بقوله: لأنها تخرج مع السيدات، ومع جميع من أمنته.
بل قال ابن سيرين: مع مسلم لا بأس به.
وقال الأوزاعي: مع قوم عدول.
وقال مالك: مع جماعة من النساء.
وقال الشافعي: مع حرة مسلمة ثقة. وقال بعض أصحابه: وحدها مع الأمن.
قال الحافظ ابن حجر: والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات. وفي قول: تكفي امرأة واحدة ثقة. وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا.