هل ستنخفض اسعار البنزين في السعودية خلال شهر يوليو 2022  … زاد عدد الدول ذات الاستثمار المتقدّم التي بلغ فيها درجة ومعيار التضخّم أضخم من 5%، وبحسب بنك التسويات العالميّة، صار عدد تلك الدول أضخم من عدد الدول الناشئة التي يفوق فيها التضخّم 5% لأوّل مرّة منذ عام 2000. وقال بنك التسويات في نيته السنوي بأن التحوّل الذي يحصل في معدّلات التضخّم الدولية “نادر”، بل التقرير أكمل بأنه “من العسير للغاية ضد تلك الاختلافات” التي حصلت فعليا.

هل ستنخفض اسعار البنزين في السعودية خلال شهر يوليو 2022

وشرح بنك التسويات الدولية بأن “الركود التضخّمي” بات متأصّلاً، وحافز هذا هو الارتفاع العظيم في أسعار المنتجات، في وقت تتكبد فيه التجارة العالمية من تعثّر سلاسل التوريد الذي زاد سوءاً مع التوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية. والمهم في المسألة هو أن الارتفاع في أسعار البضائع عالمياً تمَكّن الشعور فيه المستهلكون في الدنيا بأسلوب حثيث، وليس متدرج كما هو معتاد.

وازدادت أسعار المنتجات الاستهلاكية على حسب في الولايات المتحدّة بنسبة 8.6% أثناء مرحلة 12 شهراً تنتهي بنهاية مايو 2022، كما زاد مستوى التضخّم في المملكة الموحدّة إلى 9.1% وفي منطقة 8.1%. تلك المعدّلات في صعود التضخّم قد لا توضّح الأحوال التضخمّية الحالية الحقيقية من منظور المستهلكين

حيث أن مؤشرات أسعار المستهلكين فيها أوزان متباينة للمواد الاستهلاكية، ولا توضح بطبيعتها صعود أسعار الطاقة أو المواصلات كمثال على هذا. وزادت أسعار البنزين في الولايات المتحدّة 48.7%، وزاد قيمة زيت المحروقات 106.7%، كما يصعد قيمة الكهرباء 12%، وهنا يمكن لنا أن نلاحظ دومين هَول تزايد الأثمان دولياً.

الارتفاع الكبير في التكاليف أثناء مدة زمنية تمثل قصيرة على مدى 12 شهراً، على الأرجح ستغيّر التفكير الاستهلاكي بأسلوب متباينة لما اعتدنا سابقاً، فالمستهلكون اعتادوا تقليص شراء المواد التي تصعد تكاليفها كثيراً، بل في وقتنا الراهن، إذا تأصّلت منظور صعود معدّلات التضخّم

قد يتوجّه المستهلكون لشراء البضائع بالسرعة الممكنة، خشية مزيد من الارتفاع في الأثمان. وإذا ارتبط التضخّم بالإنفاق، هنا سندخل دوامة أكثر صعوبة، لننتقل من التضخّم المرتفع الذي تسببه أحوال استثنائية (مثل الموقعة الروسية الأوكرانية) إلى تضخّم “راسخ” ناتج عن صعود الطلب بفعل ارتفاع الإنفاق.

إذا دخلنا دوّامة التضخّم العريق، فهذا يشير إلى بأن العالم سيترك خلفه ذكريات أيّام كانت فيه التكاليف مستقرّة نوعاً ما، أو تشهد ارتفاعاً مطرد على فترات زمنية طويلة، ليغدو من الطبيعي أن نرى ازدياد سعر أحد المواد الغذائية عشرة% خلال فترة لا تتعدى بضعة أشهر!

على البنوك المركزية ألّا تخجل من إيقاع الاقتصاد بالركود

سيكون بعض الألم حتميّاً، ذاك ما قاله بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي، مضيفاً بأن التضخّم إذا ترسّخ ستفوق آثاره الهدامة آثار الخمول. وضمن التقرير كذلكً، قال البنك بأنه “لا يقتضي للمصارف المركزية أن تخجل من تسجيل أوجاع قصيرة الأجل أو حتى حالات خمول لحجب وصول عالم يتسّم دائما التضخّم المرتفع”.

بالفعل، بدأت بنوك مركزية في العالم برفع الجدوى على نحو لم نشهد له مثيلاً مثل عقود من الوقت، فرفع بنك إنجلترا المركزي من 0.1% إلى 1.25%، والفيدرالي الأمريكي وقف على قدميه بزيادة الفائدة من مدى 0.00%-0.25% إلى 1.خمسين%-1.75%، كما نهض الاحتياطي الأسترالي بزيادة من مستويات 0.1% إلى 0.85%

وكذلكً توجّه الاحتياطي النيوزلندي لإعلاء من 0.25% إلى 2.00%. حتى البنك الوطني السويسري الذي لم يكن من المتوقّع أن يرفع الفائدة، فقد نهض برفعها من -0.75% إلى -0.25% بأسلوب مفاجئ وبواقع 50 نقطة أساس دفعة واحدة.

ومن المحتمل للغايةً أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي برفع الشهر الآتي يوليو 2022 بقدر 25 نقطة أساس، إلا أن ثمة من لا يستبعد رفعها خمسين نقطة أساس من المعدّل القائم 0.00%.

إعلاء الجدوى العاجل ازداد احتمالات سقوط اقتصاديات عظمى في الركود، وهذا ما لم ينكره رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي “جيروم باول” في شهادته أمام مجلس الكونجرس الأسبوع السالف، مؤكّداً التزام البنك في مقصد أنقص معدّلات التضخّم.

لا شك في أن مصنعي المرسوم في المصارف المركزية يعلمون مدى خطورة معدلات التضخّم الجارية التي ازدادت، فذكريات ثمانينات القرن المنصرم محفورة في كتب الزمان الماضي، وتوضح كيف كان من العسير بشكل كبيرً إخراج الاقتصاد من الخمول التضخّمي آنذاك، وكانت التضحيات الاقتصادية وقتها عظيمة.
إذا فشلت المصارف المركزية، فاستعد لانهيار دخلك الحقيقي

يلزم على البنوك المركزية أن تظل برفع الفائدة، حتى لو أنه ذلك سبباً لأن تدفع في الاقتصاد نحو الكساد. من ناحيته، قلّص البنك الدولي توقعاته للنمو الاستثماري العالمي من معدلات فوق 4.0% إلى 2.9%، موجها إلى أن أن ترقية الجدوى اجتمع مع مشكلات سلاسل الإستيراد والورطة الروسية الأوكرانية، الأمر الذي سيتسبب بتدني النمو الاستثماري الدولي. من الممكن أن يكون من الجيد أن نعلم بأن نموّاً اقتصادي يعادل 2.9% يقصد ركوداً في الاستثمار العالمي

وهناك وافرة تعريفات للركود الدولي، أكثرها أهمية التعريف التقني، الذي يشير إلى تعرض الاستثمار لتقهقر الناتج الأهلي الإجمالي على مدار 6 شهور على التكرار. ويعرفه المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية بأنه “انكماش عظيم في تأدية النشاط الاقتصادي ينبسط إلى جميع القطاعات ويستمر لمجموعة أشهر”. بل صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العالمي يعرفان الكساد الدولي بأنه العام الذي يتعرض فيه الفرد على صعيد العالم لانخفاض في دخله الحقيقي، وهو ما استخدم لوصف ما حدث في سنوات 1975، و1982، و1991، و2009، و2020.

بما أن التضخّم باهظ بشكل كبيرً، واحتمالات الكساد الاستثماري الدولي واردة، إذن بالتالي من المرجّح أن ينزل معتدل الكسب الحقيقي لشخصيات المجتمع، فالدخل الحقيقي يشمل في تعريفه القدرة الشرائية للنقد، والتي تتأثّر سلباً بارتفاع معدّلات التضخّم.

ولنوضّح القدرة الشرائية للنقد نقول: لو كنت تقوم بشراء البنزين في الولايات المتحدّة قبل 12 شهراً بمبلغ مائة كل أسبوعً، سيتطلّب منك هذه اللحظة أن تدفع 148.7 دولار لشراء نفس الكميّة (وفق القراءة التضخّمية للبنزين الصادرة من مكتب إحصاءات الشغل الأمريكي).

وقد لا يتوقّف الشأن على هبوط القدرة الشرائية للدخل بتصرف التضخّم، بل أن الخمول الاقتصادي في طبيعته يتسبب بحالة من خسارة الوظائف وهبوط متوسط إزدهار الأجور، ولو فشلت البنوك المركزية في إسترداد التضخّم للاستقرار فترة زمنية طويلة، فلا شك أنها لن يمكن لها أنقص الجدوى في الزمان المناسب لإخراج الاقتصاد من الخمول، ومن ثم ستتأخر استجابتها للتضاؤل الاقتصادي وغلاء معدّلات البطالة.

من هنا، إذا فشلت المصارف المركزية في مصلحة معدّلات التضخّم المرتفعة الجارية، بواسطة إعلاء الجدوى الذي يجب أن يتسبب بانخفاض في التطور الاقتصادي أو حتى تراجع اقتصادي محتمل السيطرة فوقه، خسر ينزل الربح بجانب انخفاض القدرة الشرائية، ومرّة أخرى نعود لأعوام الثمانينات وقتما حصل ذاك، وكان سببا في بمجاعات وصراعات عالمية في ذلك الوقت.