خطاب العرش ٢٠٢٢ … عيّن الملك محمد الـ6 جزءا مهما من خطاب العرش لهذه السنة، للعلاقات المغربية الجزائرية، إذ استعرض الحال القائم لتلك الأواصر، وما يشوبها من خلافات وقلاقل ينبغي إجتيازها، وخلص على أن المغرب والجزائر أكثر من بلدين جارين، إنهما توأمان متكاملان.
ومن هذا المنطلق، مستجدين سمو الملك الدعوة الصادقة للأشقاء في دولة الجزائر للعمل سويا، دون شروط مسبقة، بهدف إنشاء أواصر ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.
إن التعبير عن هذا الوضعية الملكي الصريح، في كلام العرش، بما يحمله من دلالات، وما له من رتبة مميزة ضمن الخطب الملكية، هو إشعار علني رسمي في مواجهة شعوب المكان، وأمام العالم، بالتزام سموه بهدف تشييد علاقات أخوية راسخة بين بلدين جارين وشعبين شقيقين.
وما يميز ذاك البيان أنه صادق في مضمونه وواضح في لغته، لا يحتمل أي تأويل، لأنه مباشر ونابع من القلب، ومن إيمان وقناعة فخامة الملك، بوجوب طي هذا الملف، وتسوية العلاقات بين البلدين، والتوجه صوب التكامل والاندماج، الذي يرجع بالنفع على جميع شعوب المكان، بدل إهدار الزمان الطاقات، التي ترهن مستقبل المكان وشعوبها.
فهذه المبادرة تنبثق من قناعة صادقة وعريقة عند سمو الملك، بأن العلاقات بين بلدين جارين، كالمغرب والجزائر، يلزم أن تكون طبيعية، وفي درجة ومعيار رصيدهما التاريخي المشترك، وأن تستجيب لتطلعات الشعبين إلى تمكين ما يجمعهما من وحدة الدين واللغة والمصير المشترك.
وقد أكد جلالة الملك بأن الوضع الحاضر لتلك العلاقات لا يجعله راض، وليس في منفعة الشعبين، وغير مقبول من طرف العدد الكبير من الدول.
فالجغرافيا لا من الممكن أن تتغير، والحدود المفتوحة، يقول سيادة الملك، هي الشأن الطبيعي بين بلدين جارين، لأن إعلاق يتناقض مع حق طبيعي ومبدأ قانوني أصيل، تكرسه المواثيق العالمية، بما في ذلك معادة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي.
ويختص الأمر هنا بحق حرية تنقل الشخصيات وانتقال الخدمات والمنتجات ورؤوس الأموال بين الدول، وخاصة بلدان المغرب العربي، التي لها من المؤهلات ما يجعلها فضاء مندمجا، يسوده التعاون والتضامن والإخاء، والتي من المكان أن قام بالتوجه طاقاتها لرفع التحديات الطموح والتنموية المشتركة.
وتلك ليست أول مرة يتطرق فيها فخامة الملك لذلك المسألة. فمنذ توليه العرش، ما فتئ يدعو لإقامة أواصر سليمة وذات بأس مع بلدان التحالف المغاربي، وخاصة مع الجزائر. وقد دعا صراحة ورسميا لفتح الحدود، سنة 2008، وشدد على هذا عديدة مرات، وفي الكثير من المناسبات.
ولأن سمو الملك ليس مسؤولا على مرسوم إقفال الأطراف الحدودية، مثلما هو شأن الرئيس الجزائري القائم وحتى السابق، ركز سمو الملك على مسؤولية زعامة البلدين، سياسيا وأخلاقيا، على استمرار الإقفال، في مواجهة الله وأمام التاريخ وأمام المدنيين.
ومع أن تلك الصلوات لم تجد آذانا صاغية من لدن الجزائر، في المرات الفائتة، لتجاوز الخلافات الظرفية وحل الخلافات الموضوعية، وعلى الرغم الاعتداءات والمناورات المتتالية والمتكررة ضد تطلعات المغرب، يحرص جلالة الملك على استكمال سياسة اليد الممدودة، غرض تسوية الصلات بين البلدين.
سيادة الملك، في التزام علني ورسمي، صادق ومعلوم للأشقاء في دولة الجزائر : الشر والمشاكل لن تأتيكم من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي عدم أمان أو ابتزاز، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”.
ضدا على ما تروج له قليل من الفضائيات والمواقع والصحف بأن فتح الأطراف الحدودية لن يجلب للجزائر إلا الشر والمشكلات، يؤكد سموه بأن هذه الخطاب لا يمكن أن يصدقه واحد من، خاصة في عصر الإتصال والتكنولوجيات الجديدة.
يؤكد بصريح الفقرة للأشقاء في الجزائر بأن والشر والمشاكل لن تأتيكم من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي مخاطرة أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا.
ويضيف سيادة الملك : “لهذا نعتبر أن أمن جمهورية الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره. والعكس بالعكس، فما يمس المغرب سيؤثر ايضا على دولة الجزائر، لأنهما كالجسد الشخص”.
وبعد استعراضه للمشاكل الحقيقية التي تجابه البلدين، والتي تتمثل في الهجرة والتهريب والمخدرات والاتجار في الإنس، دعا جلالة الملك للعمل سويا على محاربتها، لأنها هي عدونا الحقيقي والمشترك.
في وضعية يترفع عن الخلافات والمزايدات العقيمة، فخامة الملك : “نتأسف للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها الروابط بين المغرب والجمهورية الجزائرية، والتي يسيء لصورة البلدين، وتترك انطباعا سلبيا، لاسيما في المحافل الدولية”.
في موقف نبيل، يترفع عن الخلافات والمزايدات العقيمة، وعلى الرغم ما يتعرض له المغرب ومؤسساته ورموزه من إساءة واعتداءات، في خرق سافر للأعراف الدبلوماسية وللأخلاقيات المهنية، عبر سيادة الملك عن أسفه للتوترات التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية، داعيا إلى “تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا، من أجل تخطى ذاك الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع أواصر المحبة والإخاء بين شعبينا.”
وفي الختام، شدد سيادة الملك أن ” المغرب والجمهورية الجزائرية أكثر من بلدين جارين، إنهما توأمان متكاملان”. ولن يكتمل ذاك الارتباط العضوي، سوى إذا حسنت الإرادات، وتم التنازل عن أطروحات الفائت، والتوجه باتجاه المستقبل، بكل صدق وحسن نية، لما فيه إدارة شعوب المنطقة المغاربية وشركاؤها، والفضاء الأورو-متوسطي والإفريقي عموما.