سبب الانقلاب على معمر القذافي … لتستوعب السبب الذي يؤدي لنجاح الانقلاب العسكري كما حصل في دولة السودان والجمهورية الجزائرية أو فشله مثلما هي الوضع في فنزويلا، من الهادف جدا أن تعود للأحداث الغريبة في ليبيا قبل نصف قرن.

سبب الانقلاب على معمر القذافي

ففي العام 1969 ترددت شائعات عن أن الجيش بما يختص تنفيذ انقلاب وشيك. وفي أيلول/سبتمبر من العام نفسه طوّقت سيارات عسكرية مباني الحكومة والمؤسسات الإعلامية، وأُعلن في خطبة مقتضب تشطيب الحكم الملكي في البلاد.

يومها اعتقدت الوحدات العسكرية المنتشرة في مناطق البلاد أن كبار زعماء الجيش نفذوا انقلابا دون إراقة الدم، وتوقعوا رؤيتهم في أي لحظة، وتوا اعترفت القوى الخارجية بالانقلاب، ولم يكلف واحد من نفسه عبء السؤال عن الواحد الذي تسلّم السلطة.

بعد أسبوع تبين ملازم مغمور ليعلن أنه ومجموعة قليلة من الرتب الدنيا في الجيش نفذوا الانقلاب. اسمه معمر القذافي وكان يومها في عامه الـ7 والعشرين.

وحتى إذا شعر الليبيون بأنهم خدعوا، فإن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود للوراء، حيث يفتقر طرد الضباط الصغار اتفاق مصنعي القرار والمواطنين والحلفاء الأجانب، وهو قضى متعب، ولم يتحقق في السابق في مواجهة العرش الذي لم يكن يحظى بشعبية.

وطوال هذا الأسبوع، كافح قائد المقاومة الفنزويلية خوان غوايدو لإحداث وضع عام من اليقين بنجاعة خطته لخلع الرئيس نيكولاس مادورو، بل الضباط الذين دعوة دعمهم لم يظهروا كليا.

فشل غوايدو في الوقت الذي نجح فيه التحرك مقابل الرئيسين السوداني والجزائري، الشأن الذي يقصد أن هنالك شكل وجه وعناصر تؤدي لنجاح الانقلاب العسكري وأخرى تؤدي لفشله:

كسب ثقة الطرف الآخر

هناك اعتقاد سائد بأن الانقلابات تحركها الاحتجاجات الغاضبة، أو يقف وراءها ضباط متمردون، بل الحقيقة هي أن النخب العسكرية والاقتصادية والسياسية هي التي تقف بالعادة خلف الإطاحة بالرؤساء، مثلما يقول الباحث في مجال الانقلابات نونيهال سينغ.

وعلى كل حال، فإن سماسرة السلطة هؤلاء هم من لديهم كلمة الفصل في بقاء زعيم الدولة أو رحيله، غير أن يتوجب عليهم المجهود جماعيا حتى يتمكنوا من إزاحة هرم الإطار.

وفي ليبيا إستطاع القذافي من تطوير الكفة السياسية وكسب مؤازرة الكثيرين لأن سقوط السُّلطة كان مترقبا على مستوى فسيح.

ذلك الحجة جعل كل مسؤول في ليبيا يفترض يومها فوز الانقلاب وأن إدارة الدولة العصرية ستحظى بدعم فسيح ومن ثم فلا طائل من خلف قوى معارضة الانقلابيين.

وقد سعى غوايدو خلق إحساس بين صانعي الأمر التنظيمي بحتمية سقوط الرئيس مادورو، بل فشله يعود لبعض الأخطاء التكنولوجيا، حيث عرَض إخطارا عبر تويتر، بل المحاولات يبيّن أن زعماء الانقلابات يفضلون محطات التلفزيون والإذاعة الوطنية لأن السيطرة فوقها تعني تلقائيا تغيير النسق الحاضر.

ايضا، حث غوايدو كتائب الجيش على مؤازرة تحركه للسيطرة على السلطة، ولذا في حد نفسه يلفت الحذر لتضاؤل موقفه وأنه لا يحظى بالدعم الضروري لنجاح الانقلاب.

ذلك الخطأ يعلق فوق منه سينغ بالقول “لا تقل يمكننا النصر فحسب إذا حصلنا على دعمكم.. بل قل: لقد انتصرنا فعليا.. وعندها ستحصل على الدعم الأساسي لنجاح” الانقلاب.

ودون مساندة نخبة البلد فإن بدء الانقلاب ينطوي على خطور عارمة مثل ما حصل في تركيا عام 2016، إذ أدى قام بالذهاب الضباط المارقين ورد السُّلطة عليهم إلى مقتل العشرات، وانتهى المطاف بالعسكريين في السجون وأمام المحاكم.

التظاهر بحسم الحالة
في الوضعية التركية بدا الانقلاب الفاشل بحت عملية عسكرية زيادة عن كونه تحركا يستجيب لمشكلة عامة. وفي العادة فإن النخبة التي تحدد نتيجة الانقلاب غالبا ما تكون عظيمة العدد وتكره عدم الأمان ويتعذر تواصلها على نحو مباشر.

إذن، يتعين على زعماء الانقلاب إقناع كل عنصر من النخبة بأن الآخرين سيدعمون قلب النسق، ودفعهم للتحرك بانسجام بجوار تعبئة المحتجين وتهيئة الحكومات الأجنبية لتقبل الوضع الجديد.