مقدمة إذاعة مدرسية عن ثورة 26 سبتمبر اليمنية … تعدّ ثورة 26 سبتمبر/سبتمبر 1962 من أعظم ثورات اليمنيين، وهي التي توجت قروناً من النضال اليمني ضد واحدةٍ من أكثر نظريات الكهنوت الديني انحطاطاً وتخلفاً، ممثلةً بالإمامة الزيدية، التي كانت من أكثر أسباب الإعاقة والتراجع الحضاري للأمة اليمنية التي تحوّلت من بلاد العرب السعيدة إلى بلاد العرب التعيسة والمحطمة، بإجراء هذه النظرية الكهنوتية.
مقدمة إذاعة مدرسية عن ثورة 26 سبتمبر اليمنية
ليس مصادفةً اليوم، أن تجيء الذكرى الـ 54 لثورة أيلول واليمنيون يعيشون عامين متواصلين تحت نير الكهنوتية الزيدية، بشقيها الديني والقبلي، وهمجيتها، ممثلاً بمليشيات الحوثي وحليفهم الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، الذي بتحالفه مع مليشيا الحوثي عمل على عودة الإمامة بعدما تخلص اليمنيون منها قبل 1/2 قرن.
لم يحس اليمنيون مثلما شعروا اليوم بأهمية ثورة 26 أيلول 1962، ولم يلتفوا، مثلما التفوا اليوم، خلف حاملي شارة تلك الثورة والمقاتلين، بهدف تقويم مسارها الذي انحرف به نمط المخلوع خيّر أزيد من ثلاثة عقود، حينما حوّل الإطار الجمهوري إلى مال أسرية فاقعة، تحت شعار الدولة السبتمبرية، التي نهضت للخلاص من نمط الإمامة الكهنوتي الأسري العرقي.
مثلت “26 سبتمبر” الثورة الأم لليمنيين الذين تقاسمتهم الكهنوتية الإمامية مع الاستعمار الإنجليزي زيادة عن قرن ونصف القرن، لكن ذلك التجزئة لم يثن اليمنيين عن واحدية النضال والثورة التي ساهم فيها كل أولاد دولة اليمن، شمالاً وجنوباً، من خلال رموزهم وأبطالهم الذين ناضلوا في الشمال، لدحر الإمامة، وعادوا حتى الآن ذاك لطرد الاستعمار، فكان في صدارة صفوف ثوار أيلول، الزعيم راجح بن غالب لبوزة، الذي قاتل الإماميين في جبال المحابشة في محافظة دافع
وانتصر عليهم، ورجع بعد نشر وترويج الجمهورية العربية اليمنية صباح 26 سبتمبر لتفجير ثورة الـ 14 تشرين الأول 1963 جنوباً ضد المستعمر الإنجليزي، وتوّجت برحيله في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، هذه اللحظة التي يقول عنها صاحب كتاب “المناحرة السياسي في شبه الجزيرة العربي”، ذو مواصفات متميزة هاليدي، لم تكن للتحقّق، لو لم ينهي القضاء على نمط الإمامة في شمال اليمن.
لسنا هنا بخصوص السردية التاريخية المعروفة للأحداث، وإنما للتذكير فحسب بسمات من تلك الثورة التي تحل علينا ذكراها ذاك العام، في أوضاعٍ بالغة التعقيد، تتجاوز بها دولة اليمن على نطاق عامين من الاقتتال الدائر فيها، والذي أعاد تذكيرنا، نحن اليمنيين، بالمعركة التاريخية المستدامة بين هويتين اثنتين، يمثلهما يمنيون يتقصون عن دولتهم وعصابة كهنوتية تفتش عن وهم أحقية إلهية بالحكم والسلطان، في تأكيد واضح لحقيقة المشاحنة الدائر تاريخياً في دولة اليمن منذ أزيد من عشرة قرون.
حاول بعضهم القفز على تلك الحقيقة، في تجربةٍ لطمس جذر التشاحن الذي يرتكز على مقولات كهنوتية عفا عليها الزمن، وتحاول أن تستعيدها مليشيات الزيدية السياسية، ممثلة
“لم يحس اليمنيون كما شعروا اليوم بأهمية ثورة 26 سبتمبر 1962، ولم يلتفوا، كما التفوا اليوم، وراء حاملي شارة تلك الثورة والمقاتلين، من أجل تعديل مسارها الذي انحرف به نسق المخلوع صالح أزيد من ثلاثة عقود”
بالحوثية التي أتت من خارج إطار اللحظة الزمنية الراهنة، مستفيدةً من حالة المناحرة الداخلي والإقليمي في المساحة، والذي يتخذ من المقولات الدينية والمذهبية مادةً خصبة له، في إطار إسترداد تقهقر كبير في مفهوم الأمن القومي العربي.
يفصلنا نصف قرن عن لحظة الميلاد الأولى لثورة “26 سبتمبر” التي كانت عائد نشاطات طويلة من النضال اليمني والعربي المشترك، للتخلص من الكهنوتية الإمامية في اليمن. أسهَم في تلك الثورة بجميع ثقله القومي حينها الزعيم العربي، حُسن عبد الناصر، والذي لائحة إقبالاً قومياً عربياً مجيداً، ووقف أمام العالم كله لمساندة الثورة اليمنية، بجميع ما عنده من فرطٍ وإمكانات، اختلط فيها الدعم المصري وعمّد عروبة جمهورية مصر العربية على ثرى دولة اليمن، بلاد الأجداد الأوائل.
الجديد اليوم هو عقب كل هذه المرحلة أن يُآب الحديث، عقب أكثر من خمسين عاماً، عن المقاصد الستة التي لم يتحقق منها شيء، وتحوّلت إلى أشبه بحبر على ورق، على حسب الشاعر عبدالله البردوني، والتي صاغها بطل الثورة السبتمبرية، علي عبد المغني، وقد لخص سبب عدم تحققها شاعر اليمن الكبير في كتابه “الثقافة والثورة في جمهورية اليمن”
وتحدّث عن أن عدم تحققها لا يرجع إلى عدم أهميتها، بقدر ما يستأنف طول أمد المعركة دفاعاً عن الثورة، وخيانة الذين غدروا بالثورة من الداخل، وأخطر تلك العوائق توجد القبول بالذين تلطخت أيديهم بدماء الثوار، من ساسةٍ وعسكريين وعمال وطلبة، فتسببت تلك الأفعال بإيجاد زعاماتٍ لا تحتاج إلى موهوبين، لأن مَن وراءها هو من يديرها.
الأخطر اليوم، فيما يتعلق للثورة الأعظم في تاريخ اليمن، قدر الانتكاسة التي بلغ إليها جمهورية اليمن، والتي لم تكتف بعدم تحقق غايات ثورة 26 سبتمبر، وإنما بالانقلاب على تلك الثورة، وعودة نهج الكهنوت الإمامي الذي وقفت على قدميها تجاهه الثورة، بكل منظوماته وأيديولوجياته المتخلفة، بصرف النظر عن الفارق الكبير والمهول في معدل التغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية التي كانت، وما هو كائن اليوم بعد 1/2 قرن من الثورة الأم.
قامت ثورة سبتمبر ومعدل الأمية الألفبائية تكاد تكون 99%، بينما قدّر عدد أطباء جمهورية اليمن وقتها عام 1962، بـ 15 طبيباً، وعامتهم أجانب، فيما كان عدد الرهائن في منازل الإمام وسجونه صوب أربعة آلاف في كل من مدينة صنعاء وتعز، وقد كان عدد مدارس التعاليم الأصلية لا يتجاوز عشر مدارس رئيسية في صنعاء عاصمة اليمن وتعز وحجة. ومع ذاك، وبصرف النظر عن ذلك كله، انفجرت ثورة اقتلعت نظام حكم الإمامة، الذي اعتمد على وجوده وبقائه بالتجهيل وأفشى الجهل والخرافة، ومكافحة التعليم والتنوير.
يوجد السؤال اليوم: كيف آبت الإمامة حتى الآن 1/2 قرن من القضاء عليها؟ هل لهذا صلة بفشل الثوار وإخفاق الجمهورية عن أن تكون حقيقية لكل اليمنين؟ وهل إشترك الجوار الإقليمي والدولي في تلك النتيجة؟ كل تلك الموضوعات، وغيرها، لا يوجد شك كانت أسباباً حقيقية في ذلك السياق الذي تتطلب إليه اليوم، أكثر من أي وقت مضى
لمزيد من القراءة والتنجيم عن مكامن الفشل والإخفاق، وهي عوامل متعدّدة ومتداخله لاشك، وتحتاج إلى مكاشفة منهجية وعلمية لاستبصارها بعيداً عن أي تعيينٍ سياسي وشخصي، في قراءة ذاك الإخفاق المر، الذي أصاب اليمنيين، وانتكس بهم في أعقاب كل ذاك السن من الثورة. فمما لاشك فيه أن أسباب متعدّدة ومتداخله ومعقدة تسببت جميعها في فشل البلد، التي نهضت الثورة من أجل بنائها، منها ما هو مرتبط بشخوصٍ في صف الثورة، كانوا وما زالوا أسباب إعاقة للدولة
ومنها ما هو مرتبط بكياناتٍ موازيةٍ مثلت دولةً عميقة في نطاق الجمهورية. وهذه صنفان، نوع ما انطلق من قارب السلطة الإمامية التي غرقت، وبقي كل ركابها، بعدما رمت بهم إلى قارب جمهورية البلد الجديدة، ومثلت جمهوريةً عميقة في نطاق الجمهورية، واصلت تعيق مسار الدولة، وتتحين الفرص للانقضاض فوقها، بعد إضعافها من الداخل
ولذا ما تحقق لها فعلاً يوم 21 سبتمبر 2014، إذ انقضت الهاشمية السياسية، التي ظلت جمهوريةً عميقةً داخل أروقة الدولة منذ اتفاق المصالحة في 1970، وحتى تاريخ إسقاط تلك الجمهورية.
يوجد الغير سلبي اليوم، من تلك الانتكاسة، التي تعيشها دولة اليمن راهناً، كمية الانكشاف الهائل على كل المستويات، على صعيد الجيش الذي ظهر مناطقياً مذهبياً لا صلة له بالجمهورية والجمهورية والولاء الوطني، وانكشاف نخبة كبيرة من المثقفين، من متباين التوجهات، تحولوا إلى بيادق تشرعن دولة المليشيات المذهبية
ومبشّرين بها. وانكشاف حجم جهل اليمنيين ضرورة ثورة أيلول في حياتهم وحجم تضحيات آبائهم في طريق تقصي هذه الثورة، التي أعادتهم الانتكاسة الراهنة إلى البحث والتعدين عن مآثر آبائهم وأجدادهم، في سبيل إسقاط الإمامة وإعلان قيام الدولة، التي تقف اليوم أمام تحدٍّ وجودي حقيقي في مواجهة اليمنيين
فإما استعادة هذه البلد أو عودة الإمامة الثيوقراطية برداء تلك الجمهورية ولقرن قادم، ما لم ينجز اليمنيون حاليا جمهوريتهم الثانية، ويواجهوا كل تحدّياتها.