في كم يوم خلق الله الارض مع الدليل من القران .. نعرف جميعا أن كتاب “البداية والنهاية” لابن عديد واحدا من أخطر الكتب التراثية فى التاريخ الإسلامى، ويتم الاعتماد عليه بشكل كبير فى تشكيل الخطاب الدينى المعاصر، لهذا فإننا سوف نقرأ معا بعض ما ورد فى ذاك الكتاب، واليوم نتوقف لدى فصل “خلق السموات والأرض وما بينهما”.

في كم يوم خلق الله الارض مع الدليل من القران

 

يقول كتاب البداية والنهاية:

قال الله سبحانه وتعالى: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ” [الأنعام: 1] .

وقال تعالى: “خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ” [هود: 7] في غير ما آية من القرآن.

وقد اختلف المفسرون في مقدار تلك الستة الأيام إلى قولين:

فالجمهور: على أساس أنها كأيامنا هذه.

وعن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وكعب الأحبار: إن يومياً منها كألف سنة مما تعدون. رواهن ابن جرير، وابن أبي حاتم.

واختار ذاك القول الإمام أحمد ابن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية، وابن جرير وطائفة من المتأخرين، والله أدري، وسيأتي ما يشير إلى ذلك القول.

وروى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم، وغيره أن أسماء الأيام الستة (أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت).

وحكى ابن جرير: في أول الأيام ثلاثة أقوال، فروى عن محمد بن إسحاق أنه قال:

يقول أهل التوراة: ابتدأ الله الخلق يوم الاحد.

ويقول أهل الإنجيل: ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين.

ونقول نحن المسلمون فيما انتهى إلينا عن رسول الله ﷺ: ابتدأ الله الخلق السبت.

وهذا القول الذي حكاه ابن إسحاق عن المسلمين مال إليه طائفة من الفقهاء من الشافعية، وغيرهم.

وسيأتي فيه حديث أبي هريرة ” خلق الله التربة السبت” والقول بأنه يوم الاحد رواه ابن جرير، عن السدي، عن أبي مالك. وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن جماعة من الصحابة.

ورواه أيضًا عن عبد الله بن سلام، واختاره ابن جرير وهو نص التوراة.

ومال إليه طائفة آخرون من الفقهاء، وهو أشبه بلفظ الاحد ولهذا، كمل الخلق في ستة أيام فكان آخرهن يوم الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع، وهو اليوم الذي أضل الله عنه أهل الكتاب قبلنا كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وقال تعالى: “هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” البقرة: 29

وقال تعالى “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” [فصلت: 9 – 12].

فهذا يدل على أن الأرض خلقت قبل السماء لأنها كالأساس للبناء، كما قال تعالى: “اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” [غافر: 64] .

قال تعالى: “أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا” إلى أن قال: “وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا” [النبأ: 6- 13] .

وقال تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” [الأنبياء: 30] أي: فصلنًا ما بين السماء والأرض حتى هبت الرياح، ونزلت الأمطار وجرت العيون والأنهار، وانتعش الحيوان.

ثم قال: “وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ” [الأنبياء: 32] .

أي عما خلق فيها من الكواكب الثوابت، والسيارات والنجوم الزاهرات والأجرام النيرات، وما في ذلك من الدلالات على حكمة خالق الأرض والسموات كما قال تعالى: “وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ” [يوسف: 105 – 106] .

فأما قوله تعالى: “ءأنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا* مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ” [النازعات: 27-33] .

فقد تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الأرض، فخالفوا صريح الآيتين المتقدمتين، ولم يفهموا هذه الآية الكريمة فإن مقتضى هذه الآية أن دحى الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء.

وقد كان هذا مقدرًا فيها بالقوة كما قال تعالى: “وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا” [فصلت: 10] .

أي هيأ أماكن الزرع، ومواضع العيون والأنهار، ثم لما أضاف خلق صورة العالم السفلي والعلوي، دحى الأرض فأخرج منها ما كان مودعًا فيها فخرجت العيون وجرت الأنهار، ونبت الزرع والثمار، ولهذا فُسر الدحى بإخراج الماء والمرعى منها، وإرساء الجبال فقال: “وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا” [النازعات:30-31] .

وقوله: “وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا” [النازعات: 32] .

أي قررها في أماكنها التي وضعها فيها، وثبتها، وأكدها، وأطدها، وقوله: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” [الذرايات: 47- 49] .

بأيدٍ: أي بقوة.

وأنا لموسعون: وذلك أن كل ما علا اتسع فكل سماء أعلى من التي تحتها فهي أوسع منها.

ولهذا كان الكرسي أعلى من السموات. وهو أوسع منهن كلهن. والعرش أعظم من ذلك كله بكثير.

وقوله بعد هذا: “وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا” أي: بسطناها وجعلناها مهدًا أي قارة ساكنة غير مضطربة، ولا مائدة بكم. ولهذا قال: “فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ” والواو لا تقتضي الترتيب في الوقوع، وإنما يقتضي الإخبار المطلق في اللغة، والله أعلم.

وصرح البخاري: حدثنا عمر بن جعفر بن غياث، حدثنا والدي حدثنا الأعمش، حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز، أنه حدثه عن عمران بن حصين صرح:

دخلت على النبي ﷺ وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم، فقال: ” اقبلوا البشرى يا بني تميم”.

أفادوا: قد بشرتنا فأعطنا إثنين من المرات.

ثم دخل عليه ناس من اليمن فقال: “أقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم”.

قالوا: قد قبلنا يا رسول الله.

قالوا: جئناك نسألك عن ذلك المسألة. قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض” فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت فإذا هي تقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها. هكذا رواه هاهنا.

وقد رواه في كتاب المغازي، وكتاب التوحيد، وفي بعض ألفاظه: ” ثم خلق السموات والأرض” وهو لفظ النسائي أيضًا.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا حجاج، حدثني ابن جريج، أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبدالله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فقال:

” خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم يوم الاحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاث، وخلق النور يوم يوم الاربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر الجمعة، آخر خلق خلق في أحدث ساعة من ساعات يوم الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل”.

ومن ثم رواه مسلم عن سريج بن يونس، وهارون بن عبد الله، والنسائي عن هارون، ويوسف بن سعيد ثلاثتهم عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور عن ابن جريج، به مثله سواء.

وقد رواه النسائي في التفسير: عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، عن محمد بن الصباح، عن أبي عبيدة الحداد، عن الأخضر بن عجلان، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ إنتهاج بيدي فقال:

” يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة السبت”.

وذكر تمامه بنحوه فقد اختلف فيه على ابن جريج.

وقد تكلم في هذا الحديث على ابن المديني، والبخاري، والبيهقي، وغيرهم من الحفاظ.

قال البخاري في (التاريخ): وقال بعضهم عن كعب، وهو أصح يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة، وتلقاه من كعب الأحبار، فإنهما كان يصطحبان ويتجالسان للحديث، فهذا يحدثه عن صحفه، وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي ﷺ، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب، عن صحفه، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعًا إلى النبي ﷺ.

وأكد رفعه بقوله: ” أخذ رسول الله ﷺ بيدي”.

ثم في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك: أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض، وما فيها في سبعة أيام.

وهذا خلاف القرآن لأن الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السموات في يومين من دخان، وهو بخار الماء الذي ارتفع حين اضطرب الماء العظيم الذي خلق من ربذة الأرض بالقدرة العظيمة البالغة.

كما قال إسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير، في خبر ذكره عن والدي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله ﷺ: “هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ” [البقرة: 29] .

أفاد: إن الله كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخانًا، فارتفع فوق الماء، فسما عليه فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة، ثم فتقها، فجعل سبع أرضين في يومين الاحد، والاثنين، وخلق الأرض على حوت وهو النون الذي قال الله سبحانه وتعالى: “ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” [القلم: 1] .

والحوت في الماء، والماء على صفات، والصفات على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء، ولا في الأرض، فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت.

وخلق الله يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من المنافع، وخلق يوم يوم الاربعاء الشجر، والماء، والمدائن، والعمران، والخراب، وفتق السماء، وكانت رتقًا فجعلها سبع سموات في 48 ساعةٍ الخميس ويوم الجمعة.

وإنما سمي الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض، وأوحى في كل سماء أمرها.

ثم قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة، والبحار، وجبال البرد، وما لا يعلمه غيره. ثم زين السماء بالكواكب فجعلها زينة، وحفظًا يحفظ من الشياطين، فلما إنتهى من خلق ما أحب، استوى على العرش.

هذا الإسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة، وكان كثير منها متلقي من الإسرائيليات، فإن كعب الأحبار لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله سبحانه وتعالى عنه بأشياء من معارف أهل الكتاب، فيستمع له عمر تأليفًا له، وتعجبًا الأمر الذي لديه مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر، فاستجاز كثير من الناس نقل ما يورده كعب الأحبار لهذا.

ولما أتى من الإذن في التجديد عن بني إسرائيل، بل عديدًا ما يحدث الأمر الذي يرويه غلط ضخم، وخطأ عديد.

وقد روى البخاري في (صحيحه): عن معاوية أنه كان يقول في كعب الأحبار: وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب، أي: فيما ينقله لا أنه يتعمد ذلك، والله أعلم.

ونحن نورد ما نورده من الذي يسوقه كثير من كبار الأئمة المتقدمين عنهم. ثم نتبع ذلك من الأحاديث بما يشهد له بالصحة، أو يكذبه، ويبقى الباقي مما لا يصدق، ولا يكذب، وبه المستعان وعليه التكلان.

صرح البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي زناد عن الأعرج عن والدي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

” لما أمر الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي”.

وكذا رواه مسلم والنسائي، عن قتيبة به. ثم قال البخارى