لماذا نقرأ الكتب … لم يعتبر الجيل الجديد يقرأ الكتب إلا نادراً، ويعتقد القلة أن إمتناع الشبيبة عن القراءة عموماً وقراءة الكتب بخاصةً، يعاود عديدة عوامل، لعل في مقدمتها، ظهورالأنترنت، ووسائل الإعلام المتنوعة، وضيق الوقت، ومشاغل الحياة اليومية، وغلاء أسعار الكتب. غير أن تلك العوامل لن تقف حائلاً في مواجهة من يحرص على القراءة كطقس مستديم من عادات عمره.

لماذا نقرأ الكتب

وربما كان المبرر الرئيس وراء النفور والابتعاد عن قراءة الكتب الجادة، هوعدم إحساس الشباب بالحاجة إلى القراءة . وهذا أمر يدعو للأسف، من المحتمل لأنهم لا يعرفون ثمن الكتب في حياة الناس ونمو المجتمعات وفي تاريخ البشرية، فالقراءة إحدى سمات المثقف الواعي والأمم المتحضرة، يحث أعلاها علماء النفس، ولا يفتر المربون من تأكيد ضرورتها لكل الأنواع العمرية، فهي وحدها تفتح في مواجهة القارىء عوالم لا ختامية من العلم والمعرفة والمتعة، وهي مفتاح الثقافة والحضارة والإزدهار.

وكل كتاب جيد ـ خبرة قريبة العهد وتواصل مع العقول الذكية، عقول العظماء، الذين يدفعون بالقارىء إلى التفكير في شؤون لم تخطر بباله، أو لم يكن يعلم عنها كثيراً، ولا يحسن التعبير عنها.. مثلما يجد فيها القارىء وصفا لتلك المواقف والمشاكل الحياتية التي قد تواجهه، وأجوبة عن الأسئلة التي تعذبه.

إننا عندما نتحدث عن قراءة الكتب، لا نعني بهذا هواية اقتناء الكتب لغرض تزيين أرفف المكتبة البيتية أو صالون الإستقبال، من أجل التباهي بثقافة ذو الدار، فثقافة المرء لا تقاس بعدد الكتب التي يمتلكها، إلا أن بعدد الكتب التقليدية الخالدة والكتب العصرية التكلفة، في شتى مجالات المعرفة والثقافة التي قرأها بتمعن وتمحيص وتفاعل مع مضامينها وأطال التفكير فيها واستخلص منها ما هو مفيد له في الحياة، وما يعينه على بلوغ منزلة أعلى من الأنسنة، إن صح التعبير.

يتباهى القلة كثيرا الكتب لديه وبضخامة المكتبة التي يمتلكها، وحينما تتحاور إليه، لا تحس تماما أنه استفاد فعلاً ولو طفيفا من الكتب التي قرأها، والأرجح أنه لم يقرأ أغلب ما يمتلكه من كتب، أو أنه قرأها بدون مبالاة ودون التعمق في معانيها، ولم يتفاعل بصحبتها قط، حيث لا يتضح شيء من أثر القراءة المعمقة في ثقافته وسلوكه وأسلوبه في البيان.

قراءة أجود الكتب بتمعن شيء، وقتل الدهر بالقراءة السطحية شيء أحدث على الإطلاقً. في ذلك المبحث القصير نتحدث عن القراءة الجادة، التي تصعد إلى معدّل التفاعل مع أفكار المؤلف وأفكاره. مثل تلك القراءة لها منافع معرفية وثقافية وصحية واجتماعية غفيرة، نسعى ايجازها في نقط محددة:

ماذا وكيف نقرأ؟

قراءة الكتب بتمعن هادفة في مختلف فترات العمر، والمهم، هو ماذا نقرأ؟ من المشكوك فيه أن تلعب القراءات الخفيفة المسلية أي دور في اثراء معلوماتنا أو تنمية عقولنا. ربما أن نقرأ لغرض الترفيه عن النفس وتمضية الزمن أو لمجرد حب الإستطلاع، ولكننا إذا قرأنا شيئاً من روائع الأدب الكلاسيكي ونتاجات الفكر البشري، فإننا نعتاد فوق منها ولا يمكننا الإقلاع عنها بيسر.

الكتب الخالدة عبر التأريخ الآدمي، تشتمل عصارة الفكر ونتيجة وثمرة العلم وخلاصة الاستيعاب ودوحة التجارب وعطية القرائح وثمرة العبقريات على حد نعت وصور (تريستان تزارا)، يجب لجميع مثقف أن يقرأها. مثل تلك النتاجات لن تفقد ثمنها العارمة بانقضاء الوقت أبداً، رغم تحول الأجيال ونظم الحكم، والتقدم المتحضر.

قراءة الكتب العلمية عن نشوء الكون ونظام مجموعة النظام الشمي تكون السبب في توسعة مداركنا ومخيلتنا وتغير للأحسن تصوراتنا وفهمنا لقوانين الطبيعة. والكتب الثقافية والتاريخية تضيف إلى معلوماتنا، وقد نستخلص منها العبر والدروس لبناء حاضرنا ومستقبلنا.

أما قراءة كتب السيرة الشخصية والمذكرات الشخصية، فإنها تجيز لنا الإطلاع على ملخص المساعي الحياتية لأفراد مثيرة للإهتمام، أسهمت في صنع التاريخ أو كانت شاهدة أعلاها.

ويمكن لنا بكل تأكيد الإستفادة من تجاربهم وخبراتهم الحياتية، التي قد تفيدنا مستقبلاً في حياتنا العملية.

وصفوة القول إن قراءة الكتب القيمة سواء كانت تخصصية أو ثقافية عامة، لا غنى عنها لكل إنسان يعرف قيمة الإرث الثقافي البشري الكبير في العلم والفكر والثقافة. الإنسان الذي لا يقرأ يقيم حياة واحدة لاغير، هي عمره، أما من يغادر على مساعي الآخرين، فإنه يسكن حيوات وفيرة.

اقراء ايضا : تحميل كتاب كل الطرق تؤدي الى 60 داهية

الكتاب ومصادر المعلومات الأخرى

كانت النخبة المثقفة تقرأ بكثرةً حتى إلى عهد قريب، ربما نتيجة لـ عدم وجود أصول عديدة للمعلومات، والتسلية والترفيه. لم يكن هناك أنترنت ولا الهواتف الذكية، أما قنوات التلفاز فقد كانت محلية وعددها محدوداً وتوفر برامج بريئة بالقياس إلى ما تعرضه القنوات الفضائية راهناً.

النفور والابتعاد عن القراءة ظاهرة عالمية غير مقصورة على بلادنا، وربما يظن القلة من المثقفين الكورد، أن قراءة الكتب في الدول الغربية هي اليوم في ذروة أوجها وازدهارها، ولذا أمر يحرض الإستغراب حقاً، وينم عن عدم الإحاطة بمدى تراجع قراءة الكتب في هذه الدول. صحيح أن التوافد على قراءة الكتب في الغرب لا يزال كبيراً، ولكنه انخفض بكثرةً منذ ظهور الأنترنت. الجيل الجديد في مختلف أنحاء العالم، يفتش عن خيارات أخرى للكتاب عبر المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الإجتماعي. ولكن لا شيء يمكن أن يشكل بديلاً للكتب الجيدة. هي وحدها تزودنا بالمعارف المتعمقة وتؤثر في تشكيل رؤيتنا للحياة والعالم..

إن المعدّل الثقافي للمجتمع لا يتحدد لاغير بمدى شيوع ثقافة القراءة فيه، أو مقدار عدد الكتب التي يقرأها المواطن مرة واحدة فى السنةً، بل أيضاً، بمدى توافر حرية إبداء الرأي.

في المجتمعات المنفتحة، التي تحترم عقل الإنسان وتمنح الاحتمالية للإطلاع على ثقافات شعوب العالم ثمة امكانات أكثر لتطور شخصية الإنسان.

الكتاب بخلاف التلفزيون حر من الغايات النفعية. التلفزيون يعتاش على النشر والترويج وكثيراً ما يدفعنا إلى شراء هذه السلعة أو هذه، ومشبع في بعض الأحيانً بـ (البروباغاندا) السياسية والأيديولوجية،. أما مؤلف الكتاب، فلا مطلب له لوضع الدعايات بين السطور، بهدف الاستحواذ على ملكية أكثر.

الحياة المعاصرة تتيح للإنسان امكانات عظيمة للتراخي الذهني، أكثر من التفكير العميق والتأمل.

لو أنه المرء يكتفي بمشاهدة برامج التلفزيون وتبادل وجهات النظر والصور في الكوكب التلقائي، فهذا شيء عابر لا يلبث في العقل طويلاً ولا يلعب دوراً يذكر في إنماء الثقافة الحقيقية، أما الكتاب الجاد، فإنه يأخذ دورا في تربية الإنسان و يقدم له قوتً للتفكير في وجوده في الدنيا وفي العالم من حوله.

ويوصي الخبراء بتخصيص ساعتين في اليوم لقراءة الكتب الأدبية الجيدة، وهم على قناعة تامة أن الكتاب المقروء، أرقى من الفيلم المقتبس من الكتاب ذاته، والعلة يندرج في حقيقة أن القراءة لا تحد الخيال الإنساني. ولهذا السبب تحديداً، وكقاعدة عامة، فإن الفيلم المأخوذ من رواية ما، لا يلبي توقعات الحشد الذي رسم في ذهنه صورة متباينة لمحتوى الكتاب.

ومما يؤسف له أن عدد الناس الذين يشعرون بالحاجة إلى قراءة الروايات الكبيرة جدا يتضاءل باستمرار، وعى يفضلون مشاهدة برامج التلفزيون والإنغماس في ألعاب الكومبيوتر، التي تعيق تقدم الذكاء.

لن تختفي الكتب بطبيعة الشأن غير أن الأنواع القريبة العهد لمصادر البيانات تضيّق دون ريب المنطقة التي كانت تشغلها الكتب في حياة الناس. كتاب المستقبل سوف يصبح أسمى طباعة وأجمل إخراجاً، وقد يكون صالحاً لتقديمه كهدية، تسر العين وتزين أرفف المكتبة البيتية، زيادة عن كونها مصدرأ للمعرفة، لأن المتابعين القارىء في الأنترنيت أو في الأجهزة المخصصة لخزن وقراءة الكتب، في صعود مطرد.