متى استقلت دولة الكويت … ما لا شك فيه أن الحركات التحررية، التي ظهرت في عدد محدود من دول مجلس الخليج العربي العربي، في الخمسينيات والستينيات، ولّدَتْ قناعة لدى المملكة المتحدة، مفادها أن المعاهدات التي عقدتها مع إمارات الخليج، منذ القرن التاسع عشر، صرت عاجزة عن المحافظة على الأمن في الخليج، أو استمرار هيمنة لندن أعلاه. وأدركت أن علاقاتها أمست لا تنبثق، مثلما كان فوقه الشأن من قبْل، بينها وبين الحكام فحسب، إلا أن مع أطراف أخرى ظهرت في الخليج، تتمثل في أبنائه، وفي تيار القومية العربية، الزاحف إلى تلك المنطقة.

متى استقلت دولة الكويت

وبذلك، تزعزعت مقولة اللورد جورج ناثانيل كيرزون، حاكم الهند ونائب الملكة فيها، عام 1903، عن مكان الخليج، “إن سلطان إدارة الدولة الإنجليزية، يجب أن يكون هو الأكثر قوة”. مثلما أصبح هارولد ديكسون، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، يعترف، علناً، بتأثير التيارات القومية في الكويت، ومنطقة الخليج العربي إيذاءْرها، في التأثير الإنجليزي، حتى بات الشعار السائد بالكويت، أن “الجزيرة للعرب”، و”الكويت للكويتيين”. وفي هذا إشارة جلية إلى ضرورة القضاء على التأثير البريطاني. ولقد أرجع ديكسون قوة المدّ القومي العربي في دول الخليج، والكويت بشكل خاص، إلى مساعي شعب جمهورية مصر العربية للتحرر، وإلى مسألة فلسطين، والثورة في دولة الجزائر، والعدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، والوحدة بين مصر وسورية، التي أيّدتها شعوب الخليج، وطالبت عدد محدود من دول المنطقة العربية بالانضمام إليها.

وإزاء تلك التطورات الداخلية، والمتغيرات الإقليمية، بدأت المطالبة الكويتية بالاستقلال، منذ أواخر الخمسينيات. وفي مستهل عام 1961، غليظّف الشيخ عبدالله السالم الغداة، أمير الكويت، ضغوطه لتأمين الاستقلال الدائم. الأمر الذي يظهر تأثير المد القومي في الوجدان الشعبي العام بالكويت، بما هيأها، مجتمعاً ونظام حكم لإعلان استقلالها.

ولقد أخذت المملكة المتحدة المطالبة الكويتية بأسلوب جدي، حيث أعدَّ إدوارد هيث Edward Richard George Heath، الذي يتحمل مسئولية مكتب الأمور الخارجية في السُّلطة البريطانية، آنذاك، مذكرة سِرية، تدارستها السُّلطة البريطانية، في 6 أبريل 1961، في شأن ما يجب عمله تجاه متطلبات أمير الكويت. وجاء في المذكرة: “إن الروابط بين الكويت والمملكة المتحدة، تستند إلى الاتفاقية المختصة، لعام 1899. وإن الاتفاقية، في حدّ ذاتها، لا تعني أن الكويت أسفل الحماية البريطانية”، لكن موضوع الحراسة، أشير إليه في 3 تشرين الثاني 1914، ضمن برقية من الساكن السياسي الإنجليزي في الخليج، لدى اندلاع الحرب الدولية الأولى، حملت اعتراف إدارة الدولة البريطانية بأن مشيخة الكويت، هي حكومة مستقلة، تحت الحماية البريطانية. وقد جرى تأكيد هذا، في برقية غير منشورة، في 21 أكتوبر 1958، من الوكيل السياسي الإنجليزي في الكويت إلى أميرها، تقول: “إننا سوف نظل مستعدين، كما كنا في الفائت، لتوفير أي مساندة، من الممكن أن يكون ضرورياً، في ما يرتبط بعلاقات الكويت بالدول الأخرى. وجرت الدلالة، في المجلس المنتخب البريطاني، في 4 فبراير 1959، على أن مشيخة الكويت، هي دولة مستقلة، تلتزم حكومة صاحبة السيادة بحمايتها.

وينتقل إدوارد هيث، في الجزء الثاني من مذكرته، إلى مباحثات، جرت في مجلس الوزراء، في تشرين الثاني 1958، وصدر، بعدها، خطبة، في آذار 1960، يشير حتّى الكويت، صارت مسؤولة تماماً عن هيئة علاقاتها العالمية. وقد شطب هذا الإعلان مفعول اتفاقية عام 1899. ويشير هيث حتّى وزير خارجية بريطانيا، اقترح، في أيار 1960، على أثر ذلك النشر والترويج، أنه “إذا حرض أمير الكويت موضوع إعادة النظر في الاتفاقية الخاصة (1899)، فإنني أرى منح المقيم السياسي في الخليج، أو الوكيل السياسي في الكويت، صلاحية الإجابة بنفسه، وتأكيد، أن حكومة صاحبة الفخامة، ستكون مستعدة لدراسة ذلك الموضوع”.

ويشير هيث، في الجزء الـ3 من مذكرته، على أن أمير الكويت، أثار هذا الشأن بالفعل، وهو يريد في الاستحواذ على التحرر التام. وأبلغ ذلك إلى الساكن السياسي البريطاني في الخليج، في 4 كانون الثاني 1961. وبيَّن الشيخ عبدالله السالم، أمير الكويت “أن الأوضاع شهدت تغيرات أساسية، سيطرّا كانت أعلاه، حالَما وضعت اتفاقية عام 1899، وأنه لم يبقَ من تلك الاتفاقية، إلاّ أواصر الصداقة ذات البأس، التي تربط بين البلدين”. ولذا، فإنه يرغب في عقد اتفاقية مع حكومة صاحبة الفخامة، حالا، تستبدل اتفاقية عام 1899، تؤكد هذه الصداقة، واستعداد المملكة المتحدة لمساعدة الكويت.