فضائل عشر ذي الحجة وما يشرع فيها 1443-1444 … عشر ذي الحجة قد قيل: إنها أحسن أيام السنة، كما نطق به الحوار، وفضّلها كثيرٌ على عشر رمضان الأخيرة؛ لأن تلك يشرع فيها ما يستهل هذه من تضرع وصيام وصدقة وغيرها، وتتميز هذه باختصاصها بتأدية إنفاذ الحج فيها

فضائل عشر ذي الحجة وما يشرع فيها 1443-1444

يقيم المسلمون في تلك الأيام موسماً عظيماً، وأياماً فاضلة، إعلاء الله شأنها، وأعلى مكانها، وميزها على بقية أيام العام، وجعلها غرة في جبين الزمان، ألا وهي أيام العشر، أعني العشر الأكبر من ذي الحجة، هذه الأيام المباركة التي اختصها الله بمزيد من الشرف والكرامة، وجعلها ميداناً للبطولة في الخيرات، والمسابقة بين المؤمنين في مجال الباقيات الصالحات، وموسماً عظيماً للتجارة الفائزة مع الله.

وإن شرف تلك الأيام قضى معلوم من دين الإسلام، وقد تواطأت مقالات الكتاب والسنة على التحذير بفضلها، والإشادة بمنزلتها ورفعة قدرها، والإشعار العلني عن تعظيم الله لشأنها، ولقد أقسم الله بها تشريفاً لها، وتنبيهاً على فضلها، فقال سبحانه: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر3،2،1].

والليالي العشر:

هي عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، وغير فرد من السلف والخلف.

و”الوتر” قيل:

هو يوم عرفة، لكونه الـ9، والشفع، هو يوم النحر، لأنه يكون العاشر، وهذان اليومان داخلان في الأيام العشر، إلا أن الله خصهما بالقسم اهتماماً بشأنهما، وبياناً لمزيد شرفهما، وأنهما أفضل أيام العشر، التي هي أجود أيام الدهر.

وهذه الأيام العشر هي الأيام المعلومات التي أفاد الله تعالى عنها: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ. [الحج28،27].

وإنما قيل لها “بيانات”:

للحرص على علمها، من أجل أن وقت فريضة الحج في آخرها، ولأنها معروف فضلها وأنها سيزون الحج من لدن إبراهيم الخليل _عليه السلام_ الذي أذن في الناس بالحج إلى يومنا هذا.

أما السنة النبوية:

ولقد أتى فيها مقالات كثيرة تدل على ميزة هذه الأيام، وأنها أحسن أيام العام، وأن العمل فيها أعظم أجراً، وأحب إلى الله، وأزكى لديه، وأحظى لديه من العمل في حين سواها من الأيام. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام الجهد الصالح فيهن، أحب إلى الله منه في تلك الأيام العشر»، وقالو : ولا الجهاد في طريق الله؟ أفاد: «ولا الجهاد في سبيل الله، سوى رجل خرج بنفسه وماله، ولم يعود من هذا بشيء». (رواه البخاري وغيره).

وروى الدارمي والبيهقي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عمل أزكى عند الله _عز وجل_ ولا أعظم أجراً، من خير يعمله في عشر الأضحى»، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ أفاد: «ولا الجهاد في طريق الله سوى رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء» (صحيح الترغيب: 1148)، صرح القاسم بن والدي أيوب: وكان بهيج بن جبير إذا دخلت أيام العشر، اجتهد اجتهاداً خشناً، حتى ما يكاد يقدر فوقه.

والأحاديث في ذاك المعنى كثيرة، وهي تدل دلالة صريحة على أن عشر ذي العلة، هي أجود أيام السنة تماما، فإن كلامه: “ما من أيام” نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم، ثم إنها مؤكدة بـ”من” البيانية، وهي مزيدة لاستغراق النفي، فيكون المعنى: ما من أيام الدنيا أيام أفضل لدى الله، ولا أحب إليه المجهود فيهن من تلك الأيام العشر، وقد قال بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أحدث بقوله: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه الشغل فيهن من تلك الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد». (رواه أحمد بسند صحيح).

ولأجل هذا اختلف العلماء: أيهما أجدر عشر ذي الدافع أم العشر الأواخر من رمضان؟

قال ابن كثير رحمه الله: (وبالجملة، فهذه العشر يشير إلى: عشر ذي التبرير قد قيل: إنها أرقى أيام السنة، مثلما نطق به الحوار، وفضّلها عديدٌ على عشر رمضان الأخيرة؛ لأن هذه يشرع فيها ما يبتدأ هذه من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، وتتميز تلك باختصاصها بتطبيق فريضة شعيرة الحج فيها. وقيل: تلك أحسن، لاشتمالها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وتوسط آخرون، فقالوا: أيام هذه أفضل، وليالي تلك أحسن، وبهذا يجتمع شمل الدلائل. والله أعرف) ا.هـ.