ما هي يوم عاشوراء في المغرب .. لجميع شعب مميزاته وطباعه المخصصة المترسخة في فكره الجمعي، والمعبَّر عنها في مجموع ممارساته الحياتية عبر تاريخ وجوده. ولذا الزمان الماضي تطفو فعاليات بعينها على السطح، فتُوقع فيه تحويلًا مفصليًّا، ويؤرَّخ لها على نحوين مختلفين: تأريخ مدوَّن شبه رسمي، محمول على مواضيع دينية، مستجدات أو دفاتر تاريخية كمثال على هذا، وتأريخ شعبي طقوسي
ما هي يوم عاشوراء في المغرب
وغالبًا ما يضمحل الأثر المعترف به رسميا و يستمر الجو معلقًا في أدمغة الأمم. هكذا هي ذكرى عاشوره، أي الـ10 من محرم، يومٌ له بضاعة مقدسة، لدرجة مثيرة، في إرث ثقافي الأمم السامية على اختلاف أعراقها وخلفياتها الدينية.
ذلك يوم يخلِّد عديدة فعاليات مغايرة على امتداد الزمان الماضي، فهو يوم توبة آدم من خطيئته الكبرى، ويوم عدم إصابة نوح من الطوفان، ويوم رجوع يوسف إلى أبيه الكفيف، ويوم رحيل يونس من بطن الحوت، وهو ايضاً يوم رحيل موسى بشعبه من بلاد جمهورية مصر العربية، ويوم مقتل الحسين بواسطة الشمر في مناسبة «كربلاء» الشهيرة.
بين تلك الوقائع تأسست شكلية ذكرى يوم عاشوراء، كيوم ديني دعا الرسول محمد إلى الاحتفال به صيامًا، لأحقية المسلمين بشكر الله على معجزة النبي موسى، ومثلما ورد في الحوار الشريف، وأخيرًا كيوم حزن ومأتم عند المسلمين الشيعة لمُصاب إمامهم الـ3 في معركة كربلاء.
تنوعت أساليب تخليد اليوم بين المسلمين، فمن بينهم من يكتفي بالحديث النبوي والصوم يوم عاشوره، ومن بينهم من يندب خطيئته التاريخية في التأخر عن نصرة آل المنزل، ويشق جلده تطبيرًا على مصيبة الحسين.
إلا أن لأهل المغرب اختلافًا في طريقتهم لإحياء اليوم، فيوم عاشوره في المغرب يوم احتفال شعبي، يتخطى صفته الدينية إلى أعراف اختص بها أهل الدولة ولها وقعها المخصص في ذاكرة المغاربة، حيث يُعِدون لها العدة منذ بداية أيام محرم حتى انقضاء الـ10 منه.
هنا وصف لاحتفالات عاشوره المتميزة لدى الشعب المغربي، وتسليطٌ للضوء على مساعي البحث في منشأها، وعلة إجادة وأصالة الشعب المغربي بها.
احتفالات الشبان بيوم عاشوراء في المغرب
تتباين تسميات يوم عاشوره على حسب اختلاف الأنحاء المغربية ولهجاتها، فمن «العاشور» إلى «أمعشور» و«تامعشورت» و«ئمعشار » و«تاعشورت» و«بوكفُّوس» و«أوداين ن عاشور»، تتعدد الأسماء وتتعدد أعراف التخليد، إلا أن المقصود منها فرد: التعبير عن روح الاحتفال التي تصحب تلك الذكرى لدى مختلَف الشعب المغربي منذ القِدم
ابتداءً من أول أيام محرم يعم الرواج متاجر المملكة، التي تزدهر بسلع مخصصة لذلك الاحتفال، من «فاكيه» (فواكه ناشفة)، إلى أجهزة نقرية كالدفوف والطبلات الكلاسيكية، ألعاب نارية وألعاب الأطفال على تنوعها، إلى لوازم السحر والشعوذة لنسوة من عطور ومباخر.
ذاك الرواج يحيلنا إلى اللون المصبوغ الاحتفالية لسيزون عاشوراء، وما يسمه من أعراف تبدأ ليلة الـ9 من محرم، حين يجتمع الشبيبة والأطفال في مسارات المداشر والمدن المغربية، يجمعون الحطب وهم يرددون أساسية توارثوها والدًا عن جد، مفادها «طايفة تنتقل مشيا وتجي على ضريح مولاي علي». تلك الترنيمة الغريبة التي تتغنى بمولاي علي الشريف، حفيد الرسول وجد الأسرة العلوية الحاكمة، تحيلنا أكثر إلى صبغة تلك الأعراف الروحية.
ومع إجابات العشية تُنصب «الشعالة» (محرقة) في جميع أحياء القرى والمدن، يتحلق الفتية والصبايا حولها يرقصون وينشدون أهازيج الاحتفال مثلما كان أجدادهم يفعلون في سالف العهد، ويتنافسون مع أقرانهم في الأحياء الأخرى على من من ضمنهم «شعالته» أضخم، ومن من ضمنهم تدوم نارها مرحلة أطول. يتواصل الاحتفال إلى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، حتى يكتسب من بينهم التعب والدوخة ويخلُدون على الرغم منًا عنهم إلى فراش النوم منهَكين، مدفوعين بوجوب استرجاع الطاقة لأيام الموسم الموالية.
يوم عاشوراء، يستيقظ المغاربة على حدث التراشق بالماء، هستيريا أحوال جوية «زمزم» التي تبتدئ غالبًا داخل المنازل، ثم تنتقل إلى الشارع العام وتتبدل من تراشق بالماء إلى تراشق بمواد أخرى مثل البيض النيئ ومبيضات الملابس، وتأخذ طابع التحرش بالجنس الآخر من حين لآخر، حين تقع الشابات الحسنوات تحت رحمة رشقات المراهقين المعتدين بيفاعة أجسادهم.