الاحتفال بالاسراء والمعراج من باب التبرك .. أجمع السلف الصالح على أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها عليه الصلاة والسلام بقوله: «إياكم ومحدثات الموضوعات, فإن كل مطورة بدعة, وكل بدعة ضلالة»
أجمع السلف الصالح إلى أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحسنة التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم بقوله: «إياكم ومحدثات الموضوعات, فإن كل مطورة بدعة, وكل بدعة ضلالة», وبقوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا ذلك ما ليس منه فهو رد», وبقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
الاحتفال بالاسراء والمعراج من باب التبرك
فالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بدعة محدثة لم يفعلها الصحابة والتابعون, ومن تبعهم من السلف الصالح, وهم أحرص الناس على الخير والعمل الصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولا يعرف عن واحد من من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها, لا سيما على ليلة القدر, ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بتوجيه من الأشياء ولا يذكرونها, ولهذا لا يعلم أي ليلة كانت”.
وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ومع ذاك فلم يشرع تخصيص ذاك الزمن ولا هذا المكان بعبادة شرعية, إلا أن غار حراء الذي ابتدئ فيه بانخفاض الوحي, وكان يتحراه قبل النبوة, لم يقصده هو ولا واحد من من الصحابة في أعقاب النبوة مرحلة مقامه بمكة, ولا خصَّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها, ولا خص الموضع الذي ابتدئ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء.
ومن خص الأمكنة والأزمنة من لديه بعبادات من أجل ذلك وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان ظروف المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد, ويوم التعميد, وغير هذا من أحواله.
وقد رأى عمر بن الكلام رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه فقال: ما ذلك؟ أفادوا: موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بذاك, فمن أدركته فيه الدعاء فليصل, وإلا فليمض.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما اتخاذ سيزون غير المواسم القانونية كبعض ليالي شهر ربيع الأكبر التي يقال: إنها ليلة المولد, أو عدد محدود من ليالي رجب, أو ثامن عشر ذي الدافع, أو أول جمعة من رجب, أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار, فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها, والله سبحانه وتعالى أعرف”.
وتحدث ابن الحاج: “ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة الـ7 والعشرين منه التي هي ليلة المعراج….”.
ثم ذكر كثيرًا من البدع التي أحدثوها في تلك الليلة من المؤتمر في المساجد, والاختلاط بين السيدات والرجال, وزيادة وقود القناديل فيه, والخلط بين قراءة القرآن وقراءة الأشعار بألحان متباينة, وذكَر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ضمن المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رده على مناشدة وجهت لرابطة العالم الإسلامي من أجل حضور واحد من الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج, بعدما سئل عن ذلك: “هذا ليس بمشروع, لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل:
أما الكتاب: ولقد قال هلم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]، وقال إيتي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه, والرد إلى الرسول هو العودة إليه في وجوده في الدنيا, وإلى سنته بعد موته, وقال هلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31], وقال تعالى: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
وأما السنة:
فالأول: ما ثبت في الصحيحين من عصري عائشة رضي الله سبحانه وتعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرح: «من أجدد في أمرنا ذاك ما ليس منه فهو رد»، وفي قصة لمسلم: «من عمل عملاً ليس أعلاه أمرنا فهو رد» .
الثاني: روى الترمذي وصححه, وابن ماجه, وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الموضوعات, فإن كل مجددة ضلالة…» .
وأما الاستصحاب: فهو هنا استصحاب العدم الأصلي.
وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية, فلا يقال: تلك العبادة مشروعة سوى بدليل من الكتاب والسنة والإجماع, ولا يقال: إن ذاك ممكن من باب المصلحة المرسلة, أو القبول, أو القياس, أو الاجتهاد؛ لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا ميدان لذلك فيها.
وأما المعقول: فتقريره أن يقال: لو أنه هذا مشروعًا لكان أولى الناس بفعله محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا لو أنه التعظيم بهدف الإسراء والمعراج, ولو كان بهدف الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ثم من بعدهم الصحابة على قدر بيوتهم لدى الله, ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين, ولم يدري عن أحد من بينهم شيء من ذاك فيسعنا ما وسعهم”.
ثم ساق رحمه الله بيان ابن النحاس في كتابه تنبيه الغافلين بشأن بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج, جاء فيه: “إن الاحتفال بهذه الليلة بدعة هائلة في الدين, ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين”.
وبيَّن الشيخ محمد بن إبراهيم في أحد الفتاوى أخرى: “إن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج كلف باطل, وشيء مبتدع, وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع, وذو المقام الأرقى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع, وهو الذي بيّن ما يحل وما يمنع، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن واحد من من بينهم أنه احتفل بتلك الذكرى”, ثم قال: “المقصود أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة, فلا يجوز ولا تجوز المساهمة فيه”.
وأفتى رحمه الله: “بأن من نذر أن يذبح ذبيحة في اليوم الـ7 والعشرين من رجب من سنويا فنذره لا ينعقد, لاشتماله على معصية, وهي أن شهر رجب معظم لدى أهل الجاهلية, وليلة السابع والعشرين منه يتصور عدد محدود من الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج, فجعلوها عيدًا يجتمعون فيه, ويعملون أمورًا بدعية, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المقر الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم, أو يذبح فيه لغير الله فقال عليه الصلاة والسلام للذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» أفادوا: لا, صرح: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟» صرحوا: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: «أوّف بنذرك؛ فإنه لا إخلاص لنذر في معصية الله, ولا في حين لا يملك ابن آدم» .
وتحدث الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: “وتلك الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث السليمة تعيينها, وكل ما ورد في تعيينها فهو غير راسخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى أهل العلم بالحديث, ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها, ولو استقر تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها, ولم يخصوها بشيء, وإذا كان الاحتفال بها كلفًا مشروعًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة إما بالقول أو التصرف, ولو حدث شيء من هذا لعرف واشتهر, ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا ولقد نقلوا عن نبيهم عليه الصلاة والسلام كل شيء تحتاجه الأمة, ولم يفرطوا في شيء من الدين, بل هم السابقون إلى كل خير, فإن كان الاحتفال بتلك الليلة مشروعًا لكانوا سالف الناس إليه, والنبي عليه الصلاة والسلام هو أنصح الناس للناس, وقد إلا أنَّغ الرسالة غاية التبليغ, وأدى الأمانة, فإن كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه, فلما لم يحدث شيء من هذا معرفة أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء, وقد استكمل الله لتلك الأمة دينها, وأتم فوق منها النعمة, ونفى على من باشر الدين ما لم يأذن به الله, قال عز وجل في كتابه الموضح من سورة المائدة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3], وتحدث سبحانه وتعالى في سورة الشورى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:21]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الإنذار من البدع, والتصريح بأنها ضلالة تنبيها للأمة على عظم خطرها, وتنفيرًا لهم من اقترافها”.
ثم أورد رحمه الله تعالى بعض الأحاديث الواردة في ذم البدع مثل كلامه صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا ذاك ما ليس منه فهو رد», وتصريحه صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس أعلاه أمرنا فهو رد», وتصريحه صلى الله عليه وسلم: «أما بعد: فإن خير الحوار كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام, وشر الأشياء محدثاتها وكل بدعة ضلالة», وقوله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها, وعضوا فوقها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأشياء فإن كل محسنة بدعة, وكل بدعة ضلالة».
فما ذُكر من بيان العلماء وما استدلوا به من الآيات والأحاديث فيه الكفاية ومقنع لمن يطلب الحق في إنكار هذه البدعة, بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج, وأنها ليست من دين الإسلام في شيء, وإنما هي زيادة في الدين, وشرع لم يأذن به رب العالمين, وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين في زيادتهم في دينهم, وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله, وأن لازمها التنقص للدين الإسلامي, واتهامه بعدم الكمال, ولا يخفى ما في هذا من الفساد العارم, والمنكر الشنيع, والمصادمة لقوله إيتي: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ, والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحذرة من البدع. ومما يؤسف له أن هذه البدعة قد فشت في عديد من الأمصار في الكوكب الإسلامي, حتى ظنها عدد محدود من الناس من الدين, فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا, ويمنحهم الفقه في الدين, ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق, والثبات عليه, وترك ما خالفه, إنه ولي هذا والقادر فوقه, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.